من النياحة، والجزع، وتجديد الحزن، أو من التبرّج، والتزيّن الذي يتسبب للفتنة.
وقد تقدم عن القرطبي رحمه اللهُ، أن اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة؛ لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يُفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرّج، وما ينشأ من الصياح، وقد يقال: إذا أُمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء. انتهى.
قال الشوكانيّ رحمه اللهُ: وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر. انتهى (١).
والحاصل أن الصواب جواز زيارة القبور للنساء، لكن بشرط أن يكنّ ملتزمات بحدود الشرع، الذي أوجبه الشرع عليهنّ عند الخروج إلى المساجد، ونحوها، بأن يكنّ محتجبات، غير متطيبات، وغير مُظهرات زينتهنّ، وغير قاصدات للمحظور المذكور، من النياحة، بل لمجرّد السلام، والدعاء للميت، وتذكر الآخرة، والاعتبار بأصحاب القبور، كما بيّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك حينما أمر بزيارتها، بقوله:"إنها تذكر الآخرة"، وقوله:"تزهد في الدنيا"، و"تُرِقّ القلب، وتُدمع العين"، وأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى اجتناب المحظورات بقوله:"فلا تقولوا هُجرًا"، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
[٢٢٦١]( … ) - (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِىِّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ، الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -).
رجال هذا الإسناد: ستة:
١ - (يَحْيَى بْنُ يَحْيَى) التميميّ، تقدّم في الباب الماضي.
٢ - (أَبُو خَيْثَمَةَ) زُهير بن معاوية بن حُديج الجعفيّ الكوفيّ، نزيل الجزيرة، ثقة ثبت [٧](ت ٢ أو ٣ أو ١٧٤)(ع) تقدم في "المقدمة" ٦/ ٦٢.