للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[أحدهما]: أنه في حقّ المستحلّ.

[والثاني]: أنه كَفَرَ النعمة والإحسان، وحقَّ الله تعالى، وحَقَّ أبيه، وليس المراد الكفر الذي يُخرجه من ملّة الإسلام، وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَكْفُرْنَ"، ثم فسّره بكفرانهنّ الإحسان، وكفران العشير. انتهى.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وهذا - يعني الانتساب لغير الأب - إنما يفعله أهل الْجَفَاء والجهل والكبر؛ لخِسّة منصب الأب، ودناءته، فيَرَى الانتساب إليه عارًا، ونقصًا في حقّه، ولا شكّ في أن هذا مُحَرَّم، معلوم التحريم، فمن فعل ذلك مستحلًّا، فهو كافرٌ حقيقةً، فيبقى الحديث على ظاهره، وأما إن كان غير مُستحلّ، فيكون الكفر الذي في الحديث محمولًا على كفران النعم والحقوق، فإنه قابل الإحسان بالإساءة، ومن كان كذلك صدق عليه اسم الكافر، وعلى فعله أنه كفر لغةً وشرعًا على ما قرّرناه، ويحتمل أن يقال: أَطلق عليه ذلك؛ لأنه تشبّه بالكفّار، أهل الجاهليّة، أهلِ الكبر والأنَفَة، فإنهم كانوا يفعلون ذلك، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (١).

[تنبيه]: وقع في رواية أبي ذرّ الهرويّ لـ "صحيح البخاريّ" قوله: "إلَّا كفر بالله" بزيادة لفظ "بالله"، فقال في "الفتح": كذا وقع هنا "كَفَرَ بالله"، ولم يقع قوله: "بالله" في غير رواية أبي ذر، ولا في رواية مسلم، ولا الإسماعيلي، وهو أولى، وإن ثبت ذاك، فالمراد مَن استحلّ ذلك، مع علمه بالتحريم، وعلى الرواية المشهورة، فالمراد كفر النعمة، وظاهر اللفظ غير مراد، وإنما وَرَدَ على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أنّ فاعله فَعَلَ فِعْلًا شبيهًا بفعل أهل الكفر. انتهى (٢).

(وَمَن ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا) قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: ظاهره التبرّي المطلق، فيبقى على ظاهره في حقّ المستحلّ لذلك على ما تقدّم، ويُتأَوَّل في حقّ غير المستحلّ بأنه ليس على طريقة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا على طريقة أهل دينه، فإن ذلك ظُلْمٌ، وطريقة أهل الدين العدلُ، وترك الظلم، ويكون هذا


(١) "المفهم" ١/ ٢٥٤.
(٢) "الفتح" ٦/ ٦٢٤.