للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كما قال: "ليس منا من ضَرَبَ الخدود، وشقَّ الْجُيُوب" (١)، ويقرُبُ منه: "من لَمْ يأخذ من شاربه، فليس منا" (٢) (وَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أي فَلْيَنْزِل مَنْزِله منها، أو فليتخذ مَنْزلًا بها، وهو دعاء عليه، وقيل: هو خبر بلفظ الأمر، واستظهره النوويّ، ومعناه: هذا جزاؤه إن جوزي، ثم هو قد يُجَازَى بذلك، وقد يَعْفُو الله تعالى عنه، وقد يُوفِّقه للتوبة، فيسقط عنه ذلك.

(وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ) أي ناداه به، كأن يقول له: يا كافرُ، والتعبير بالرجل للغالب، وإلا فالمرأة لو دُعيت بذلك لكان الحكم كذلك (أَوْ قَالَ) له (عَدُوَّ اللهِ) بالنصب على حذف حرف النداء، أي يا عدوّ الله، ويحتمل أن يكون مرفوعًا، خبرًا لمحذوف، أي أنت أو هو عدوّ الله، وقال النوويّ: ضبطنا "عدوّ الله" على وجهين: الرفع والنصب، والنصب أرجح على النداء، أي يا عدوَّ الله، والرفع على أنه خبرُ مبتدأ، أي هو عدوُّ الله كما تقدم في الرواية الأخرى: "قال لأخيه: كافر"، فإنا ضبطناه كافرٌ بالرفع والتنوين، على أنه خبرُ مبتدأ محذوف، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

(وَلَيْسَ كَذَلِكَ) جملة في محلّ نصب، أي والحال أن ذلك الرجل ليس كما وصفه، بأن كان بريئًا من الكفر، ومتّقيًا لله تعالى (إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ) أي إلَّا رجع على القائل ذلك الدعاء، أي معرّته، وإثمه، كما أسلفنا تحقيقه.

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: قوله: "إلَّا حار عليه": فمعناه: رجع عليه، والْحَوْرُ: الرجوع، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)} [الانشقاق: ١٤]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أعوذ بك من الْحَوْر بعد الْكَوْن"، رواه مسلم، وعند الترمذيّ وابن ماجة: "بعد الكَوْر" بالراء، قال القاضي: يكون "باء" ها هنا بمعنى رَجَعَ، كما جاء في الحديث نفسه، وقيل: رجعت عليه نقيصته لأخيه، كما قال إذا لَمْ يكن لذلك أهلًا بكذبه عليه، وقيل: إذا قاله لمؤمن صحيح الإيمان مثله، ورماه بالكفر، فقد كفّر نفسه؛ لأنه مثله، وعلى دينه. انتهى (٤).


(١) رواه البخاريّ (٣٥١٩)، ومسلم (١٠٣)، والترمذيّ (٩٩٩)، والنسائيّ (٤/ ٢٠).
(٢) حديث صحيح، رواه الترمذي (٢٧٦٢)، والنسائيّ ١/ ١٥.
(٣) "شرح مسلم" ٢/ ٥٠ - ٥١.
(٤) "إكمال المعلم" ١/ ٣٤٨ - ٣٥٠.