للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نفيسان، حتى لو بطل التعامل بهما نقدين لبقيت قيمتهما الماليّة معدنين، نعم هذا صحيح، ولكن الذي يفهم من روح الشريعة، ونصوصها أنها لم توجب الزكاة في الذهب والفضّة لمحض ماليّتهما؛ إذ لم توجب الزكاة في كلّ مال، بل في المال المعدّ للنماء، والذهب والفضّة إنما اعتبرهما الشارع مالًا معدًّا للنماء من جهة أنهما ثمنان للأشياء، وقِيَمٌ لها، فالثمنيّة مراعاة مع الماليّة أيضًا، ولهذا كان عنوان زكاة الذهب والفضّة في كثير من الكتب "زكاة الأثمان"، أو "زكاة النقدين".

ومن أجل هذا لا يسوغ أن يقال للناس: إن بعض المذاهب لا يرى إخراج الزكاة عن هذه الأوراق، وينسب ذلك إلى مذهب أحمد، أو مالك، أو الشافعيّ، أو غيرهم.

فالحقّ أن هذا أمر مستحدثٌ، ليس له نظير في عصر الأئمّة المجتهدين - رضي الله عنهم - حتى يقاس عليه، ويُلحق به.

والواجب أن يُنظر إليه نظرة مستقلّة في ضوء واقعنا، وظروف حياتنا وعصرنا.

وإني لأسجّل بالتقدير هنا ما كتبه، وأفتى به العلّامة الشيخ محمد حسنين مخلوف العدويّ رحمه اللهُ في رسالته "التبيان في زكاة الأثمان"؛ إذ قال معقّبًا على تخريج زكاة الأوراق الماليّة على زكاة الدَّين المعروف عند الفقهاء القدامى، واعتبار هذه الأوراق سند دَين (صكًّا كالكمبيالة) لا تجب تزكيته إلا على مذهب من لا يشترط القبض في تزكية الدَّين إذا كان على مليء مقرّ.

قال: ولا يخفى أن تخريج زكاة الأوراق الماليّة على زكاة الدَّين -مع كونه مُجحِفًا بحقّ الفقراء على غير ما ذهب إليه الشافعيّة- مبنيّ على اعتبار القيمة المضمونة بهذه الأوراق كدَين حقيقيّ في ذمة شخص مدين، وأن هذه الأوراق كمستندات ديون حقيقيّة.

مع أن هناك فرقًا بين هذه الأوراق، وما هو مضمون بها، وبين الدَّين الحقيقيّ، وسنده المعروف عند الفقهاء، فإن الدَّين ما دام في ذمّة المدين لا ينمو، ولا ينتفع به ربّه، ولا يجري التعامل بسنده رسمًا، ولذا قيل بعدم وجوب زكاته؛ لأنه ليس مالًا حاضرًا مُعدًّا للنماء، بحيث ينتفع به ربّه، بخلاف