ومتى كان المدين بهذه الأوصاف، وجبت زكاة الدين في الحال. وعدم الإيجاب والقبول اللفظيّين في الحوالة لا يبطلها، حيث جرى العرف بذلك. على أن بعض أئمة الشافعيّة قال: المراد بالإيجاب والقبول كلّ ما يُشعر بالرضا من قول أو فعل، والرضا محقّق.
٢ - الحنفيّة قالوا: الأوراق الماليّة -البنكنوت- من قبيل الدين القويّ، إلا أنها يمكن صرفها فضة فورًا، فيجب فيها الزكاة فورًا.
٣ - المالكيّة قالوا: أوراق البنكنوت، وإن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها فضّة فورًا، وتقوم مقام الذهب في التعامل، فيجب فيها الزكاة بشروطها.
٤ - الحنابلة قالوا: لا تجب زكاة الورق النقديّ إلا إذا صُرف ذهبًا أو فضةً، ووجدت فيه شروط الزكاة.
ومن هذه الأقوال المنسوبة إلى المذاهب، نعلم أن أساسها هو اعتبار هذه الأوراق سندات دين على بنك الإصدار، وأنها يمكن صرف قيمتها فضّة فورًا، فتجب الزكاة فيها فورًا عند المذاهب الثلاثة، وعند الصرف فعلًا على مذهب الحنابلة. ونحن نعلم أن القانون أصبح يُعفي أوراق النقد المصرفيّة "البنكنوت" من أن يلتزم البنك صرفها بالذهب والفضّة، وبهذا ينهار الأساس الذي بني عليه إيجاب الزكاة في هذه الأوراق.
هذا، مع أن هذه الأوراق أصبحت هي أساس التعامل بين الناس، ولم يعُدْ يرى الناس العملة الذهبيّة قط، ولا الفضيّة، إلا في المبالغ التافهة، أما عماد الثروات، والمبادلات، فهو هذه العملة الورقيّة.
إن هذه الأوراق أصبحت -باعتماد السلطات الشرعيّة إياها، وجريان التعامل بها- أثمان الأشياء، ورؤوس الأموال، وبها يتمّ البيع والشراء، والتعامل داخل كل دولة، ومنها تُصرَف الأجور، والرواتب، والمكافآت، وغيرها، وعلى قدر ما يملك المرء منها يعتبر غناه، ولها قوّة الذهب والفضّة في قضاء الحاجات، وتيسير المبادلات، وتحقيق المكاسب والأرباح، فهي بهذا الاعتبار أموال نامية، أو قابلة للنماء، شأنها شأن الذهب والفضة.
صحيح أن الذهب والفضّة لهما قيمة ماليّة ذاتيّة من حيث إنهما معدنان