للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وباطنًا مخالف لهذا الحديث الصحيح، وللإجماع السابق على قائله، ولقاعدة أجمع العلماء عليها، ووافقهم القائل المذكور، وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال. انتهى (١).

وسيأتي تمام البحث في هذا عند شرح حديث أم سلمة المذكور في "كتاب الأقضية" - إن شاء الله تعالى -.

٦ - (ومنها): ما قاله الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: إن هذا الحديث يدخل تحته ما ذكره بعض الفقهاء في الدعاوي، من نصب مُسخَّر (٢) يدّعي في بعض الصور حفظًا لرسم الدعوى والجواب، وهذا المسخَّر يدّعي ما يعلم أنه ليس له، والقاضي الذي يُقيمه عالم بذلك أيضًا، وليس حفظ هذه القوانين من المنصوصات في الشرع، حتى يُخَصَّ به عموم هذا الوعيد، وإنما المقصود الأكبر في القضاء إيصال الحقّ لمستحقّه، فانخرام هذه المراسيم الْحُكميّة مع تحصيل مقصود القضاء، وعدم تنصيص صاحب الشرع على وجوبها أولى من مخالفة هذا الحديث، والدخول تحت هذا الوعيد العظيم الذي دلّ عليه، وهذه طريقة أصحاب مالك، أعني عدم التشديد في هذه المراسيم. انتهى (٣)، وهو استنباط حسنٌ، والله تعالى أعلم.

٧ - (ومنها): ما قاله ابن دقيق العيد أيضًا: في هذا الحديث وعيد عظيم لمن أكفر أحدًا من المسلمين، وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة، وقع فيها خلق كثير من المتكلّمين، ومن المنسوبين إلى السنّة، وأهل الحديث لما اختلفوا في العقائد، فغلّظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم، وخَرَقَ حجاب الهيبة في ذلك جماعة من الحشويّة، وهذا الوعيد لاحقٌ بهم إذا لَمْ يكن خصومهم كذلك. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

وقد تقدّم تمام البحث في مسألة التكفير بما فيه الكفاية، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) راجع: "الفتح" ١٣/ ١٨٨ "كتاب الإحكام".
(٢) "المسخّر" هو الذي يدعي مجّانًا، أو ينصبه القاضي بدلًا عن الغائب.
(٣) "إحكام الإحكام" ٤/ ٢٨٢ - ٢٨٣ بنسخة الحاشية.