للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): بيان تحريم دعوى ما ليس له في كلّ شيء، سواءٌ تعلق به حقٌّ لغيره أم لا، وفيه أنه لا يَحِل له أن يأخذ ما حَكَم له به الحاكم، إذا كان لا يستحقُّه.

قال في "الفتح": يؤخذ من الحديث تحريم الدعوى بشيء، ليس هو للمدعِي، فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها، مالًا، وعِلْمًا، وتعلُّمًا، ونَسَبًا، وحالًا، وصلاحًا، ونعمةً، وولاءً، وغير ذلك، ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك.

٥ - (ومنها): أن هذا الحديث يدلّ على أن حكم الحاكم لا يُحلّ حرامًا، خلافًا لما نُقل عن بعضهم من أن حكمه يُحلّه، قال الكاسانيّ من الحنفيّة مبيّنًا هذا على مذهب أبي حنيفة: وأما بيان ما يُحلّه القضاء، وما لا يُحلّه، فالأصل أن قضاء القاضي بشاهدي الزور فيما له ولاية إنشائه في الجملة يفيد الحلّ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ -، وقضاؤه بهما فيما ليس له ولاية إنشائه أصلًا لا يفيد الحلّ بالإجماع. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا من أغرب ما يُسمع من الأقوال الساقطة، فإن هذا مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - المتّفق عليه: "فمن قضيت له بحقّ مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها، أو فليتركها"، فإنه لا فرق في هذا بين الأموال والفروج، وهؤلاء فرّقوا بينهما، فقالوا: إن قضاء القاضي لا يُحلّ المال الحرام، وأما الأبضاع، فيُحلّها، فلو جاء شخص بشاهدي زور، فأشهدهما على امرأة بأنها زوجته، فقضى القاضي بذلك قالوا: يحلّ له وطؤها، وهو يعلم أنه لَمْ يتزوجها قط، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله.

قال الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى: إنه لا فرق في دعوى حلّ الزوجة لمن أقام بتزويجها شاهدي زور، وهو يعلم بكذبهما، وبين من ادّعى على حرّ أنه ملكه، وأقام بذلك شاهدي زور، وهو يعلم حرّيّته، فإذا حكم له الحاكم بأنه ملكه لَمْ يحلّ له أن يسترقّه بالإجماع.

وقال النوويّ رحمه الله تعالى: القول بأن حكم الحاكم يُحلّ ظاهرًا


(١) "بدائع الصنائع" ٧/ ١٥.