(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في وجوب الزكاة في الخيل:
ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا زكاة في الخيل إلا إذا كانت للتجارة.
وذهب أبو حنيفة، وشيخه حماد بن أبي سليمان، وزفر فأوجبوا فيها الزكاة؛ إذا كانت إناثًا، أو ذكورًا وإناثًا، في كلّ فرس دينارًا، وإن شاء قوّمها، وأخرج عن كلّ مائتي درهم خمسة دراهم.
احتجّ الجمهور بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور في الباب، وبحديث عليّ - رضي الله عنه - الآتي بعد باب.
قال أبو عُبيد في "كتاب الأموال"(ص ٤٦٥): إيجاب الصدقة في سائمة الخيل التي يبتغي منها النسل ليس على اتّباع السنّة، ولا على طريق النظر؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عفا عن صدقتها، ولم يستثن سائمة، ولا غيرها، وبه عملت الأئمة، والعلماء بعده فهذه السنّة.
وأما في النظر فكان يلزمه إذا رأى فيها صدقة أن يجعلها كالماشية؛ تشبيهًا بها؛ لأنها سائمة مثلها، ولم يَصِر إلى واحد من الأمرين، على أن تسمية سائمتها قد جاءت عن غير واحد من التابعين بإسقاط الزكاة منها، ثم روى عن إبراهيم، والحسن، وعمر بن عبد العزيز.
وأجاب الحنفيّة عن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بأنه محمول على فرس الركوب، والحمل، والجهاد في سبيل الله؛ لما روي أن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - لما بلغه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: صدق، إنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرس الغازي. ذكره صاحب "الهداية" تبعًا لأبي زيد الدبوسيّ.
قال الحافظ في "الدراية"(ص ١٥٨): تبع صاحب "الهداية" في ذلك أبا زيد الدبوسيّ، فإنه نقله عن زيد بن ثابت بلا إسناد. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الصواب ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب الزكاة في الخيل، والرقيق؛ لحديث الباب.
وقد ذكر العلّامة عبيد الله بن محمد المباركفوريّ، صاحب "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" رحمه اللهُ أدلة الحنفيّة وناقشها كلها، فأجاد، وأفاد، بما لا تجده في كتاب غيره، فجزاه الله تعالى خيرًا، فإن شئت فراجعه