(وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا") ولفظ البخاريّ: "وأما العبّاس بن عبد المطّلب، فعمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهي عليه صدقةٌ، ومثلها معها"، قال في "الفتح": كذا في رواية شعيب، ولم يقل ورقاء، ولا موسى بن عُقبة: "صدقة"، فعلى هذه الرواية يكون - صلى الله عليه وسلم - ألزمه بتضعيف صدقته؛ ليكون أرفع لقدره، وأَنْبَهَ لذكره، وأنفى للذّمّ عنه، فالمعنى فهي صدقة ثابتة عليه سيتصدّق بها، ويُضيف إليها مثلها كَرَماً، ودلّت رواية مسلم على أنه - صلى الله عليه وسلم - التزم بإخراج ذلك عنه لقوله: "فهي عليّ"، وفيه تنبيه على سبب ذلك، وهو قوله: "إن العمّ صنو الأب"، تفضيلاً له، وتشريفاً.
ويَحْتَمِل أن يكون تحمّل عنه بها، فيُستفاد منه أن الزكاة تتعلّق بالذمّة، كما هو أحد قولي الشافعيّ.
وجمع بعضهم بين رواية "علَيّ" ورواية "عليه" بأن الأصل رواية "علَيّ"، ورواية "عليه" مثلها إلا أن فيها زيادة هاء السكت، حكاه ابن الجوزيّ، عن ابن ناصر.
وقيل: معنى "علَيّ"؛ أي: هي عندي قرض؛ لأنني استسلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحاً فيما أخرجه الترمذيّ وغيره من حديث عليّ، وفي إسناده مقال.
وفي الدارقطنيّ من طريق موسى بن طلحة: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا كنا احتجنا، فتعجّلنا من العبّاس صدقة ماله سنتين"، وهذا مرسل.
وروى الدارقطنيّ أيضاً موصولاً بذكر طلحة فيه، وإسناد المرسل أصحّ.
وفي الدارقطنيّ أيضاً من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعث عمر ساعياً، فأتى العبّاسَ، فأغلظ له، فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إن العبّاس قد أسلَفَنا زكاة ماله العام، والعام المقبل"، وفي إسناده ضعف، وأخرجه أيضاً هو، والطبرانيّ من حديث أبي رافع - رضي الله عنه - نحو هذا، وإسناده ضعيف أيضاً، ومن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تعجّل من العباس صدقة سنتين"، وفي إسناده محمد بن ذكوان، وهو ضعيف، ولو ثبت لكان رافعاً للإشكال، ولرجّح به سياق رواية مسلم على بقيّة الروايات، وفيه ردّ لقول من قال: إنّ قصّة التعجيل إنما وردت في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر - رضي الله عنه - لأخذ الصدقة.