للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ - رحمه الله -: وليس ثبوت هذه القصّة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق. والله أعلم.

وقيل: المعنى استسلف منه قدر صدقة عامين، فأمر أن يُقاصّ به من ذلك، واستُبعد ذلك بأنه لو كان وقع لكان - صلى الله عليه وسلم - أعلم عمرَ بأنه لا يطالب العباس. وليس ببعيد.

ومعنى "عليه" على التأويل الأول: أي لازمة له، وليس معناه أنه يقبضها؛ لأن الصدقة عليه حرام؛ لكونه من بني هاشم.

ومنهم من حمل رواية الباب على ظاهرها، فقال: كان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، ويؤيّده رواية موسى بن عُقبة، عن أبي الزناد، عند ابن خُزيمة بلفظ: "فهي له"، بدل "عليه".

وقال البيهقيّ: اللام هنا بمعنى "على"؛ لتتّفق الروايات، قال الحافظ: وهذا أولى؛ لأن المخرج واحد، وإليه مال ابن حبّان.

وقيل: معناها فهي له؛ أي: القدر الذي كان يُراد منه أن يُخرجه لأنني التزمت عنه بإخراجه، وقيل: إنه أخّرها عنه ذلك العام إلى عام قابل، فيكون عليه صدقة عامين، قاله أبو عُبيد. وقيل: إنه كان استدان حين فادى عَقيلاً وغيره، فصار من جملة الغارمين، فساغ له أخذ الزكاة بهذا الاعتبار.

وأبعد الأقوال كلها قول من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العبّاس بامتناعه من أداء الزكاة بأن يؤدّي ضعف ما وجب عليه؛ لعظمة قدره، وجلالته، كما في قوله تعالى في نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} الآية [الأحزاب: ٣٠]، وقد تقدّم بعضه في أول الكلام. انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أرجح الأقوال عندي قول من قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - ألزمه بتضعيف صدقته؛ ليكون أرفع لمنزلته، وأنبه لذكره، وأنفى للذّمّ عنه، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - تحمّلها عنه؛ احتراماً له، ومبرّةً وإكراماً، يؤيّد ذلك رواية مسلم: "فهي علَيّ، ومثلها معها"، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا عُمر، أما شَعَرت أن عمّ الرجل صِنو


(١) "الفتح" ٤/ ٩٥ - ٩٦.