وقد احتجّ به من يُجيز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وهي مسألة خلافيّة أيضاً.
وقيل في الجواب عن قصّة معاذ: إنها اجتهاد منه، فلا حجّة فيها.
وفيه نظر؛ لأنه كان أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد بيّن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لما أرسله إلى اليمن ما يَصنَعُ.
وقيل: كانت تلك واقعةَ حال، لا دلالة فيها؛ لاحتمال أن يكون عَلِمَ بأهل المدينة حاجة لذلك، وقد قام الدليل على خلاف عمله ذلك.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وفي قوله: "واقعة حال" نظر لا يخفى؛ إذ الظاهر أنها تدلّ على جواز نقلها؛ إذا دعت الحاجة إليه، وقد استوفيت البحث في هذه في "شرح النسائي"، فراجعه (٤٦/ ٢٥٢٢) وبالله تعالى التوفيق.
وقال القاضي عبد الوهّاب المالكيّ: كانوا يُطلقون على الجزية اسمَ الصدقة، فلعلّ هذا منها.
وتُعُقّب بقوله:"مكان الشعير والذرة"، وما كانت الجزية حينئذ من أولئك من شعير، ولا ذُرَة، إلا من النقدين (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحاصل أنّ أرجح الأقوال في المسألة ما ذهب إليه الإمام البخاريّ - رحمه الله -، وهو جواز أخذ الْعَرْض بدل الصدقة إن رأى الْمُصَدِّق ذلك خيراً، وأنفعَ للفقراء، كما عَمِل به معاذ - رضي الله عنه -. والله تعالى أعلم.
٩ - (ومنها): جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد، وهو قول العلماء كافّة، خلافًا للشافعيّ في وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية.
وتعقّب ابن دقيق العيد بأن القصّة واقعة عين، محتملة لما ذُكر وغيره، فلا ينهض الاستدلال بها على ذلك، وفيه ما مرّ قريباً، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.