"حدثني نافع أنّ ابن عمر كان يُخرج عن أهل بيته، حرِّهم، وعبدِهم، صغيرِهم، وكبيرهم، مسلمهم، وكافرهم، من الرقيق". قال: وابن عمر راوي الحديث، وقد كان يخرج عن عبده الكافر، وهو أعرف بمراد الحديث. وتعقّب بأنه لو صحّ حُمِل على أنه كان يخرج عنهم تطوّعاً، ولا مانع منه.
واستُدلّ بعموم قوله:"من المسلمين" على تناولها لأهل البادية -وهو الحقّ-، خلافاً للزهريّ، وربيعة، والليث في قولهم: إنّ زكاة الفطر تختصّ بالحاضرة. ذكره في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر هو الأرجح عندي؛ عملاً بالحديثين، فيُخصَّصُ عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المسلم في عبده صدقة، إلا صدقة الفطر" بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من المسلمين" في حديث الباب، فالعمل بهما متعيّنٌ بالوجه المذكور، وإلا أدّى إلى إلغاء أحد النصّين، مع إمكان العمل بهما، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): في اختلاف أهل العلم في مقدار المخرَج في زكاة الفطر:
ذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد، وجمهور العلماء، من السلف، والخلف إلى أن الواجب إخراجه في زكاة الفطر صاع، من أيّ جنس أُخرج. وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصريّ، وأبي العالية، وجابر بن زيد، وإسحاق ابن راهويه. قال ابن قُدامة: وروي عن أبي سعيد الخدريّ. انتهى.
وقال أبو حنيفة: إنما يُخرِج صاعاً؛ إذا أَخرج تمراً، أو شعيراً، فأما إذا أخرج قَمْحاً، أو دقيقه، أو سويقه، فالواجب نصف صاع، وعنه في الزبيب روايتان: أشهرهما عنه أنه مثل القَمْح، فيُخرج منه نصف صاع. والثانية: أنه كالشعير، فيخرج منه صاعاً، وبه قال أبو يوسف، ومحمد. وحكاه ابن المنذر عن سفيان الثوريّ، وأكثر أهل الكوفة، غير أبي حنيفة. قال: وروينا عن جماعة من الصحابة، والتابعين أنه يجزئ نصف صاع من البرّ، روينا ذلك عن