وأجاب الآخرون بأن الخاصّ يقضي على العامّ، فعموم قوله:"في عبده" مخصوصٌ بقوله: "من المسلمين".
وقال الطحاويّ: قوله: "من المسلمين" صفةٌ للمخرجِين، لا للمخرَجِ عنهم. وظاهر الحديث يأباه؛ لأن فيه العبد، والصغير في رواية عمر بن نافع، وهما ممن يُخرَجُ عنه، فدلّ على أنّ صفة الإسلام لا تختصّ بالمخرِجِين. ويؤيّده رواية الضّحّاك عند مسلم، بلفظ:"على كلّ نفسٍ، من المسلمين، حرًّ، أو عبدٍ … " الحديث.
وقال القرطبيّ: ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة، ومن تجب عليه، ولم يقصد فيه بيان من يُخرجها عن نفسه، ممن يُخرجها عن غيره، بل شمل الجميع. ويؤيّده حديث أبي سعيد الآتي (١)، فإنه دالّ على أنهم كانوا يُخرجون عن أنفسهم، وعن غيرهم؛ لقوله فيه:"عن كلّ صغير، وكبير". لكن لا بدّ من أن يكون بين المخرِج، وبين الغير ملابسةٌ، كما بين الصغير ووليّه، والعبد وسيّده، والمرأة وزوجها.
وقال الطيبيّ: قوله: "من المسلمين" حال من العبد، وما عُطف عليه، وتنزيلها على المعاني المذكورة أنها جاءت مزدوجة على التضادّ؛ للاستيعاب، لا للتخصيص، فيكون المعنى: فرض على جميع الناس، من المسلمين. وأما كونها فيم وجبت، وعلى من وجبت؟ فيُعلم من نصوص أخرى. انتهى.
ونقل ابن المنذر أن بعضهم احتجّ بما أخرجه من حديث ابن إسحاق:
(١) يعني: ما أخرجه مسلم في "صحيحه"، ونصّه: ٩٨٥ - حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا داود -يعني: ابن قيس- عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري، قال: "كنا نخرج؛ إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، زكاة الفطر، عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه، حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان، حاجاً أو معتمراً، فكقم الناس على المنبر، فكان فيما كلّم به الناس، أن قال: إني أرى، أن مدّين من سمراء الشام، تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فاما أنا فلا أزال أخرجه، كما كنت أخرجه، أبداً ما عشت".