للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اشتَهَرَ في العرف إطلاقه على الحنطة، ويؤيّده المقابلة بما بعده.

ويَحْتَمِل أن يكون صاعاً من طعام مجملاً، ويكون ما بعده بياناً له، كانه بيّن أن الطعام الذي كانوا يعطون منه الصاع كان تمراً، وشعيراً، وأَقِطاً، لا حنطةً، ويؤيّده ما رواه البخاريّ عن أبي سعيد - رضي الله عنه -: "كنّا نُخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر، صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذ الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر"، وكذا ما رواه ابن خُزيمة عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: "لم تكن الصدقة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا التمر، والزبيب، والشعير، ولم تكن الحنطة"، فينبغي أن يتعيّن الحمل على هذا المعنى، بل يُستبعد أن يكون المعلوم فيما بينهم صاعاً من الحنطة، فيتركونه إلى نصفه بكلام معاوية - رضي الله عنه -، بل لا يبقى لقول معاوية: "إن النصف يَعْدِل الصاع" حينئذ وجهٌ، إلا بتكلّف.

وبالجملة فمعنى هذا الحديث أنه ما كان عندهم نصّ منه - صلى الله عليه وسلم - في البرّ بصاعٍ، أو بنصفه، وإلا فلو كان عندهم حديث بالصاع لما خالفوه، أو بنصفه لما احتاجوا إلى القياس، بل حكموا بذلك، ويدلّ على هذا حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في هذا الباب المرويّ في الصحاح. انتهى كلام السنديّ - رحمه الله -.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله السنديّ - رحمه الله - حسنٌ جدًّا، وسيأتي تمام الكلام عليه في المسألة الرابعة، إن شاء الله تعالى.

(أَوْ صَاعاً) اختُلف في أنّ "أو" في هذا الحديث لتخيير المؤدَّى من هذه الأشياء، أو لتعيين واحد منها، وهو الغالب، فقيل: إنها للتخيير، وبه قال أبو حنيفة، وقيل: إنها لتعيين أحد هذه الأشياء بالغلبة، وهو غالب قوت البلد، وبه قال الأكثرون، فمعنى الحديث على هذا: كنا نخرج هذه الأنواع بحسب أقواتنا، ومقتضى أحوالنا، أفاده بعضهم (١)، وسيأتي تمام البحث في ذلك في المسألة الرابعة، إن شاء الله تعالى.

(مِنْ أَقِطٍ) - بفتح الهمزة، مع كسر القاف، أو ضمّها، أو فتحها، أو إسكانها، وبكسر الهمزة، مع كسر القاف، وإسكانها، وبضمّ الهمزة، مع إسكان القاف فقط: وهو شيء يُتّخَذ من اللبن الْمَخيض، كأنه نوع من اللبن


(١) ذكره القاري، قائلاً: قال ميرك، نقلاً عن "الأزهار". انظر: "المرعاة" ٦/ ١٩٧.