الصحابة أخرجوا في زمنه - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من جميع ما أخرجوا من الشعير، والأقط، والتمر، والزبيب، وغيرها، ذهب إلى أن المقدار الواجب من كلّ شيء صاع، أو لَمّا رأى أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شرع لهم صاعاً من غير البرّ، ولم يبيّن لهم حال البرّ، فقاس عليه أبو سعيد حال البرّ، ورأى أن الواجب في البرّ أيضاً صاعٌ.
وقد روى أبو داود عن عياض، قال: سمعت أبا سعيد يقول: "لا أخرج أبداً إلا صاعاً - أي: من كلّ شيء - إنا كنّا نخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع تمر، أو شعير، أو أقط، أو زبيب".
وأخرج الطحاويّ في "شرح معاني الآثار"(٢/ ٤٢) عن عياض، قال: سمعت أبا سعيد، وهو يُسأل عن صدقة الفطر؟ قال:"لا أخرج إلا ما كنت أخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط، فقال له رجلٌ: أو مدّين من قَمْحٍ؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها، ولا أعمل بها".
وأخرجه أيضاً الدارقطنيّ في "سننه"(٢/ ١٤٥ - ١٤٦)، والحاكم في "المستدرك"(١/ ٤١١)، وابن خزيمة في "صحيحه"(٤/ ٨٩ - ٩٠)، والبيهقيّ (٤/ ١٦٦) وزادوا فيه: "أو صاعاً من حنطة" بعد قوله: "صاعاً من تمر". وقد صرّح ابن خزيمة، وأبو داود أن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ.
وأما ما أخرجه الطحاويّ بسنده (٢/ ٤٤) عن أبي سعيد أنه قال: "إنما علينا أن نعطي لكلّ رأس عند كلّ فطر صاعاً من تمر، أو نصف صاع من برّ"، فلا يوازي الروايات المتقدّمة، فلا يُلتفت إليه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أي: لأنه ضعيف؛ لأن في سنده الحسن البصريّ، عن أبي سعيد الخدريّ، والحسن لم يسمع من أبي سعيد الخدريّ (١)، وقد عنعنه، وهو مدلّس، والله تعالى أعلم.
قال: والقول بأن حديث الباب يدلّ على أنهم كانوا يُعطون من البرّ
(١) انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب" ١/ ٣٨٨ - ٣٩١، فقد عدّ بهز بن أسد أبا سعيد الخدريّ من جملة من لم يسمع منهم الحسن، من الصحابة.