للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذهب الإمامان: مالك، وأحمد إلى اختيار إخراج التمر، قال ابن المنذر: واستحبّ مالك إخراج العجوة منه.

وذهب الشافعيّ، وأبو عبيد إلى اختيار إخراج البرّ. وقال بعض أصحاب الشافعيّ: يَحْتَمِل أن يكون الشافعيّ قال ذلك؛ لأن البرّ كان أعلى في وقته، ومكانه؛ لأن المستحبّ أن يخرج أغلاها ثمنًا، وأنفسها؛ لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد سئل عن أفضل الرقاب؟ قال: "أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها"، متّفق عليه.

وإنما اختار أحمد إخراج التمر اقتداءَ بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واتباعًا لهم. وروى بإسناده عن أبي مِجْلَزٍ، قال: قلت لابن عمر: إن الله قد أوسع، والبرّ أفضل من التمر، قال: إن أصحابي سلكوا طريقًا، وأنا أُحبّ أن أسلكه. وظاهر هذا أن جماعة من الصحابة كانوا يخرجون التمر، فأحبّ ابن عمر موافقتهم، وسلوك طريقتهم، وأحبّ أحمد أيضًا لاقتداء بهم، واتِّبَاعهم.

ورَوَى البخاريّ عن ابن عمر، قال: "فرض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر … " الحديث. وفيه: كان ابن عمر يُعطي التمر، فأعوز أهلُ المدينة من التمر، فأعطى شعيرًا، قال الحافظ: فيه دلالة على أن التمر أفضل ما يُخْرَج في صدقة الفطر.

وقد روى جعفر الفريابيّ من طريق أبي مِجْلَزٍ، قال: قلت لابن عمر: قد أوسع الله، والبرّ أفضل من التمر، أفلا تُعطي البرّ؟، قال: لا أعطي إلا كما كان يعطي أصحابي. ويُستَنبَطُ من ذلك أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يُقتات بها؛ لأن التمر أعلى من غيره، مما ذُكر في حديث أبي سعيد، وإن كان ابن عمر فَهِمَ منه خصوصيّة التمر بذلك، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمهُ اللهُ (١).

قال ابن قُدامة رحمهُ اللهُ: والأفضل بعد التمر البرّ، وقال بعض أصحابنا: الأفضل بعده الزبيب؛ لأنه أقرب تناولًا، وأقلّ كلفة، فأشبه التمر. ولنا أن البرّ أنفع في الاقتيات، وأبلغ في دفع حاجة الفقير. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي قول من فضّل الزبيب على البرّ أرجح؛ لصحّة الحديث به، دون البرّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) راجع: "الفتح" ٤/ ١٤٨ - ١٥٠.
(٢) راجع: "المغني" ٤/ ٢٩١ - ٢٩٢.