٥ - (ومنها): أن صحابيّه - رضي الله عنه - ذو مناقب جمّة، فقد أخرج أحمد، وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ما أقلّت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر"، وهو حديث صحيح (١)، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي ذَرٍّ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: انْتَهَيْتُ) أي: وصلت (إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ:"هُمُ الْأَخْسَرُونَ) يأتي تفسيره بقوله: "الأكثرون أموالاً" (وَرَبِّ الْكَعْبَةِ") فيه جواز القسم بهذه الصيغة (قَالَ) أبو ذرّ - رضي الله عنه - (فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ، فَلَمْ أتقَارَّ) أي: لم يمكني القرار والثبات (أَنْ قُمْتُ)"أن" بالفتح مصدريّة؛ أي: من القيام، وفي رواية النسائيّ:"فَقُلْتُ: مَا لِي؟ لَعَلِّي أُنْزِلَ فِيَّ شَيْءٌ"(فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) مبتدأ وخبره (مَنْ هُمْ؟) أي: مَن هؤلاء الذين قلت في حقّهم: "هم الأخسرون"؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("هُمُ الأكثَرُونَ أَمْوَالاً) أي: هم الذين كانوا أكثر الناس أموالاً (إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) قال السنديّ -رحمه الله-: استثناء من هذا الحكم، وفيه رجوع الضمير إلى الحاضر في الذهن، ثم تفسيره للمخاطب إذا سأل عنه، ومعنى: "إلا من قال هكذا": أي: إلا من تصدق من الأكثرين في جميع الجوانب، وهو كناية عن كثرة التصدّق، فذاك ليس من الأخسرين.
وقوله: "قال" إما بمعنى "تصدّق"، وقوله: "هكذا" إشارة إلى حَثْيِهِ في الجوانب الثلاث؛ أي: تصدّق في جميع جهات الخير، تصدّقاً كالحثي في الجهات الثلاث، أو بمعنى "فَعَل" أي: إلا من فَعَلَ بماله فعلًا مثل الحثْيِ في الجهات الثلاث، وهو كناية عن التصدّق العامّ في جهات الخير، وحَثْيُهُ - صلى الله عليه وسلم - بيان للمشار إليه بـ "هكذا"، والعرب تَجْعَل القول عبارة عن جميع الأفعال. انتهى كلام السنديّ -رحمه الله-.
(١) صحّحه الشيخ الألبانيّ -رحمه الله-، راجع: "سنن ابن ماجه" رقم (١٥٦).