السبيل، فيقول الله له: اليومَ أمنعُك فضلي، كما مَنَعتَ فضل ما لم تَعْمَل يداك، ورجل بايع إمامًا، لا يبايعه إلا لدنيا، إن أعطاه رضي، وإن لم يُعطه سَخِطَ، ورجل حَلَف على سِلعة بعد العصر كاذبًا، لقد أَعْطَى بها أكثر مما أَعْطَى".
فهذا وعيدٌ عظيمٌ لمن منع فضل مائه، مع أن طائفة من العلماء يُجَوِّزون للرجل أن يمنع فضل مائه، فلا يمنعنا هذا الخلافُ أن نعتقد تحريمَ هذا، محتجين بالحديث، ولا يمنعنا مجيء الحديث، أن نعتقد أن المتأَوِّل معذورٌ في ذلك، لا يَلْحَقه هذا الوعيد.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ الله المحلل، والمحلل له"، وهو حديث صحيح، قد رُوي عنه من غير وجه، وعن أصحابه، مع أن طائفة من العلماء، صَحَّحوا نكاح المحلِّل مطلقًا، ومنهم من صححه إذا لم يُشْتَرط في العقد، ولهم في ذلك أعذار معروفة، فإن قياس الأصول عند الأول أن النكاح لا يَبْطُل بالشروط، كما لا يبطل بجهالة أحد العوضين، وقياس الأصول عند الثاني أن العقود المجرَّدة عن شرط مُقتَرِن لا تغير أحكام العقود، ولم يبلغ هذا الحديث مَن قال هذا القول، هذا هو الظاهر، فإن كتبهم المتقدمة لم تتضمنه، ولو بلغهم لذكروه، آخذين به، أو مجيبين عنه، أو بلغهم وتأوَّلوه، أو اعتقدوا نسخه، أو كان عندهم ما يُعارضه، فنحن نَعلم أن مثل هؤلاء لا يصيبه هذا الوعيد، لو أنه فَعَل التحليل مُعتقدًا حِلّه على هذا الوجه، ولا يمنعنا ذلك أن نَعلم أن التحليل سبب لهذا الوعيد، وإن تخلف في حق الأشخاص؛ لفوات شرط، أو وجود مانع. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (١)، وهو بحث نفيسٌ وتحقيق أنيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال: