المهاجرين والأنصار:"الخمر ما خامر العقل"، وأنزل الله تحريم الخمر، وكان سبب نزولها ما كانوا يشربونه في المدينة، ولم يكن لهم شراب إلا الفَضِيخ، لم يكن لهم من خمر الأعناب شيء.
وقد كان رجال من أفاضل الأمة علمًا وعملًا، من الكوفيين يعتقدون أن لا خمر إلا من العنب، وأن ما سوى العنب والتمر لا يحرم من نبيذه إلا مقدار ما يُسْكِر، ويشربون ما يعتقدون حِلّه، فلا يجوز أن يقال: إن هؤلاء مندرجون تحت الوعيد؛ لما كان لهم من العذر الذي تأوّلُوا به، أو لموانع أُخَر، فلا يجوز أن يقال: إن الشراب الذي شربوه ليس من الخمر الملعون شاربها، فإن سبب القول العامّ لا بُدّ أن يكون داخلًا فيه، ولم يكن بالمدينة خمر من العنب.
ثم إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد لَعَنَ البائع للخمر، وقد باع بعض الصحابة خمرًا، حتى بَلَغَ عمر - رضي الله عنه - فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:"لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها"؟ ولم يكن يَعْلَم أن بيعها مُحَرَّمٌ، ولم يمنع عمر - رضي الله عنه - علمه بعدم علمه أن يُبَيِّن جزاء هذا الذنب؛ ليتناهى هو وغيره عنه بعد بلوغ العلم به، وقد لَعَنَ العاصر والمعتصر، وكثير من الفقهاء يُجَوِّزون للرجل أن يَعْصِر لغيره عِنَبًا، وإن عَلِم أن من نيته أن يتخذه خمرًا، فهذا نصٌّ في لعن العاصر، مع العلم بأن المعذور تَخَلَّف الحكمُ عنه لمانع.
وكذلك لَعَن الواصلة والموصولة في عِدّة أحاديث صحاح، ثم من الفقهاء من يَكْرَهه فقط.
وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الذي يَشْرَب في آنية الفضة، إنما يُجَرجِر في بطنه نار جهنم"، ومن الفقهاء من يَكْرَهه كراهة تنزيه.
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار"، يجب العمل به في تحريم قتال المؤمنين بغير حقّ، ثم إنا نَعلم أن أهل الْجَمَل وصِفِّين ليسوا في النار؛ لأن لهما عُذْرًا، وتأويلًا في القتال، وحسناتٍ مَنَعَت الْمُقْتَضَى أن يَعْمَل عَمَله.
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "ثلاثة لا يُكَلِّمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجلٌ على فضل ماء، يمنعه ابنَ