للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المال، والثاني الحسنة (١).

(قَالَ) أبو ذرّ - رضي الله عنه - (ثُمَّ مَشَيْنَا، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("يَا أبا ذَرٍّ كَمَا أنتَ) الكاف بمعنى "على أي: كن واقفاً على ما أنت عليه الآن من المكان (حَتَّى آتِيَكَ") أي: إلى أن أتيك، وفي رواية البخاريّ: "ثم قال لي: مكانك، لا تبرح حتى آتيك".

فقوله: "مكانك" بالنصب؛ أي: الزم مكانك، وقوله: "لا تَبْرح" تأكيد لذلك، ورَفْع لتوهّم أن الأمر بلزوم المكان ليس عامًّا في الأزمنة، وقوله: "حتى آتيك" غاية للزوم المكان المذكور، وفي رواية حفص: "لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع"، ووقع في رواية عبد العزيز بن رُفيع: "فمشيت معه ساعة، فقال لي: اجلس ها هنا، قال: فأجلسني في قاع حوله حجارة"؛ أي: أرض سهلة مُطْمَئِنَّة.

(قَالَ) أبو ذرّ (فَانْطَلَقَ) أي: ذهب النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية البخاريّ: "ثم انطلق في سواد الليل"، وفيه إشعار بأن القمر كان قد غاب (حَتَّى تَوَارَى عَنِّي) أي: غاب شخصه - صلى الله عليه وسلم - عن أبي ذرّ - رضي الله عنه -، وفي رواية حفص: "حتى غاب عني"، وفي رواية عبد العزيز: "فانطلق في الحرّة- أي: دخل فيها- حتى لا أراه"، وفي رواية أبي شهاب: "فتقدَّم غير بعيد"، زاد في رواية عبد العزيز: "فأطال اللَّبْثَ".

(قَالَ) أبو ذرّ (سَمِعْتُ لَغَطاً) بفتحتين: كلام فيه جَلَبَةٌ، واختلاطٌ، ولا يتبيّن، يقال: لَغَطَ لَغَطاً، من باب نَفَعَ، وألغط بالألف لغة (٢)، فقوله: (وَسَمِعْتُ صَوْتاً) مؤكّد لما قبله، وفي رواية البخاريّ: "فسمعت صوتًا قد ارتَفَعَ" (قَالَ) أبو ذرّ (فَقُلْتُ: لَعَل رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُرِضَ لَهُ) بالبناء للمفعول؛ أي: تعرّض له أحد بسوء، وفي رواية البخاريّ: "فتخوّفت أن يكون أَحَدٌ عَرَضَ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ".

(قَالَ) أبو ذرّ (فَهَمَمْتُ) أي: قصدت، يقال: هَمْمتُ بالشيء هَمًّا، من باب نصر: إذا أردته، ولم تفعله، وفي الحديث: "لقد هممتُ أن أنهى عن


(١) راجع: "الفتح" ١٤/ ٥٤٤.
(٢) "المصباح" ٢/ ٥٥٥.