للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المشيئة، وهو بصدد أن يُمْضَى عليه الوعيدُ إلا أن يشاء الله أن يعفو عنه، فإن شاء أن يعذبه فمصيره إلى الجنة بالشفاعة. انتهى.

وعلى هذا فتقييد اللفظ الأول تقديره: وإن زنى وإن سرق دخل الجنة، لكنَّه قبل ذلك إن مات مصرًّا على المعصية في مشيئة الله، وتقدير الثاني: حرّمه الله على النار إلا أن يشاء الله، أو حرّمه على نار الخلود، والله أعلم.

قال الطيبيّ: قال بعض المحقّقين: قد يُتَّخَذ من أمثال هذه الأحاديث المبطلة ذريعةٌ إلى طرح التكاليف، وإبطال العمل ظنًّا أن ترك الشرك كافٍ، وهذا يستلزم طيّ بساط الشريعة، وإبطال الحدود، وأن الترغيب في الطاعة، والتحذير عن المعصية لا تأثير له، بل يقتضي الانخلاع عن الدين، والانحلال عن قيد الشريعة، والخروج عن الضبط، والولوج في الخبط، وترك الناس سُدًى مُهْمَلين، وذلك يفضي إلى خراب الدنيا، بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى، مع أن قوله في بعض طرق الحديث: "أن يعبدوه"، يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية، وقوله: "ولا يشركوا به شيئًا"، يشمل مسمى الشرك الجليّ والخفيّ، فلا راحة للتمسك به في ترك العمل؛ لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض، فإنها في حكم الحديث الواحد، فيُحْمَل مطلقها على مقيّدها؛ ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها، وبالله التوفيق (١).

١٥ - (ومنها): أن فيه جواز الحلف بغير تحليف، ويستحب إذا كان لمصلحة، كتأكيد أمر مهمّ، وتحقيقه، ونفي المجاز عنه، وفي قوله في بعض طرقه: "والذي نفس محمد بيده" تعبير الإنسان عن نفسه باسمه، دون ضميره، وقد ثبت بالضمير في الطريق الأخرى: "والذي نفسي بيده"، وفي الأول نوع تجريد، وفي الحلف بذلك زيادة في التأكيد؛ لأن الإنسان إذا استحضر أن نفسه، وهي أعز الأشياء عليه بيد الله تعالى، يتصرف فيها كيف يشاء، استَشْعَر الخوف منه، فارتدع عن الحلف على ما لا يتحققه، ومن ثَمّ شُرع تغليظ الإيمان بذكر الصفات الإلهية، ولا سيما صفات الجلال.

١٦ - (ومنها): أن فيه الحثّ على الإنفاق في وجوه الخير، وأن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -


(١) "الفتح" ١٤/ ٥٥٤ - ٥٥٥.