وقال الشوكانيّ رحمه الله: وأحاديث الباب تدلّ على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيُخَصَّص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]، ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبتٌ أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العمومات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها.
وقد اختُلِف في غير الصدقة من أعمال البرّ، هل يصل إلى الميت؟ فذهبت المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شيء، واستدلوا بعموم الآية، وقال في "شرح الكنز": إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كان، أو صومًا، أو حجًّا، أو صدقة، أو قراءةَ قرآن، أو غير ذلك من جميع أنواع البرّ، وَيصِلُ ذلك إلى الميت، وينفعه عند أهل السنة. انتهى.
والمشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن، وذهب أحمد بن حنبل، وجماعة من العلماء، وجماعة من أصحاب الشافعيّ إلى أنه يصل، كذا ذكره النوويّ في "الأذكار".
وفي "شرح المنهاج " لابن النحويّ: لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته، وينبغي الجزم به؛ لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعي، فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفًا على استجابة الدعاء، وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال، والظاهر أن الدعاء مُتَفق عليه أنه ينفع الميت والحي القريب والبعيد، بوصية وغيرها، وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب. انتهى.
وقد حَكَى النوويّ في "شرح مسلم" الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت، وكذا حَكَى أيضًا الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت، ويصل ثوابها، ولم يقيد ذلك بالولد، وحَكَى أيضًا الإجماع على لحوق قضاء الدين.
قال الشوكانيّ رحمه الله: والحق أنه يُخَصَّص عموم الآية بالصدقة من الولد، كما في أحاديث الباب، وبالحج من الولد، كما في خبر الخثعمية، ومن غير