وقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في تحقيق هذه المسألة، ودونك نصّ البحث في "مجموع الفتاوى":
وسئل رحمه الله عن قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]؛ وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، فهل يقتضي ذلك إذا مات لا يصلُ إليه شيء من أفعال البر؟.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، ليس في الآية، ولا في الحديث أن الميت لا ينتفع بدعاء الخلق له، وبما يُعمَل عنه من البرّ، بل أئمة الإسلام متفقون على انتفاع الميت بذلك، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام، وقد دَلَّ عليه الكتاب، والسنة، والإجماع، فمَن خالف ذلك كان من أهل البدع.
فقد أخبر سبحانه أن الملائكة يدعون للمؤمنين بالمغفرة، ووقاية العذاب، ودخول الجنة، ودعاء الملائكة ليس عملًا للعبد.
وقال تعالى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد: ١٩]، وقال الخليل عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)} [إبراهيم: ٤١]، وقال نوح عليه السلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية [نوح: ٢٨]، فقد ذكر استغفار الرسل للمؤمنين أمرًا بذلك، وإخبارًا عنهم بذلك.
ومن السنن المتواترة التي من جحدها كَفَرَ صلاة المسلمين على الميت، ودعاؤهم له في الصلاة، وكذلك شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، فإن السنن فيها متواترةٌ، بل لم ينكر شفاعته -صلى الله عليه وسلم- لأهل الكبائر إلا أهل البدع، بل قد ثبتٌ أنه يشفع لأهل الكبائر، وشفاعته دعاؤه، وسؤاله الله تبارك وتعالى، فهذا وأمثاله من القرآن، والسنن المتواترة، وجاحد مثل ذلك كافرٌ بعد قيام الحجة عليه.
والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرةٌ، مثل ما في الصحاح عن ابن