للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو كناية عن موضع الْغَشَيان، والمباضعة: المباشرة، والاسم الْبُضع، وفيه دليلٌ على أن النيّات الصادقات تَصْرِف المباحات إلى الطاعات، قاله القرطبيّ -رحمه الله- (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: "الْبُضْعُ" بضم الباء، يطلق على الجماع، ويطلق على الفرج نفسِهِ، وكلاهما تصحّ إرادته هنا، وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادةً إذا نوى به قضاء حقّ الزوجة، ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به، أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسِهِ، أو إعفاف الزوجة، ومنعهما جميعًا من النظر إلى حرام، أو الفكر فيه، أو الهمّ به، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة. انتهى (٢).

وقال في "المرعاة": في إدخال "في" في قوله: "وفي بُضع أحدكم" إشارة إلى أن ذاته ليست صدقةً، بل ما تضمّنه من التحصين، وأداء حقّ الزوجة، وطلب الولد الصالح، وأما الأمور المذكورة قبله فذواتها صدقة؛ لأنها أذكار وقربات. انتهى بتصرّف (٣).

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: الباء في قوله: "إن بكلّ تسبيحة صدقةً" بمعنى "في"، وإنما أعيدت في قوله: "وفي بضع أحدكم"؛ لأن هذا النوع من الصدقة أغرب من الكلّ، حيث جُعل قضاء الشهوة بهذا الطريق مكانًا للصدقة، ومقرّها. انتهى بتصرّف (٤).

(قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أيأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟) قال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا استفهام من استَبْعَدَ حصولَ أجرٍ بفعل مُستلذّ يحُثّ الطبع عليه، وكأن هذا الاستبعاد إنما وقع من تصفّح الأكثر من الشريعة، وهو أن الأجور إنما تحصُل في العبادات الشاقّة على النفوس المخالفة لها، ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- أجابهم على هذا بقياس العكس، فقال: "أرأيتم لو وضعها في حرام … إلخ"، ونظمه: كما يأثم في ارتكاب الحرام يؤجر في فعل الحلال، وحاصله راجع إلى إعطاء كل واحد من المتقابلين ما يُقابَل به الآخرُ من الذوات والأحكام،


(١) "المفهم ٣/ ٥٢.
(٢) "شرح النووي" ٧/ ٩٢.
(٣) راجع: "المرعاة" ٦/ ٣٣٣.
(٤) راجع: "الكاشف" ٥/ ١٥٤٧.