ومحصّل ما ذُكر في حديث الباب أنه لا بدّ من الشفقة على خلق الله تعالى، وهي إما بالمال، أو غيره، والمال إما حاصل، أو مكتسبٌ، وغير المال إما فعلٌ، وهو الإغاثة، وإما تركٌ، وهو الإمساك.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة -رحمه الله-: ترتيب هذا الحديث أنه نَدَبَ إلى الصدقة، وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرُب منها، أو يقوم مقامها، وهو العمل، والانتفاع، وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه، وهو الإغاثة، وعند عدم ذلك ندب إلى فعل المعروف؛ أي: مِن سوى ما تقدّم كإماطة الأذى، وعند عدم ذلك ندب إلى الصلاة، فإن لم يُطِق، فترك الشرّ، وذلك آخر المراتب، قال: ومعنى الشرّ هنا ما منعه الشرع، ففيه تسلية للعاجز عن فعل المندوبات؛ إذا كان عجزه عن ذلك من غير اختيار. انتهى.
قال الحافظ: وأشار بالصلاة إلى ما وقع في آخر حديث أبي ذرّ عند مسلم: "ويُجزئ عن ذلك كفه ركعتا الضّحى"، وهو يؤيّد ما قدّمناه أن هذه الصدقة لا يكمّل منها ما يختل من الفرض؛ لأن الزكاة لا تكمّل بالصلاة، ولا العكس، فدل على افتراق الصدقتين.
واستُشْكِل الحديث مع تقدّم ذكر الأمر بالمعروف، وهو من فروض الكفاية، فكيف تجزئ عنه صلاة الضّحى، وهي من التطوّعات؟.
وأجيب بحمل الأمر هنا على ما إذا حصل من غيره، فسقط به الفرض، وكان في كلامه هو زيادة في تأكيد ذلك، فلو تركه أجزأت عنه صلاة الضّحى.
قال الحافظ: كذا قيل. وفيه نظرٌ، والذي يظهر أن المراد أن صلاة الضحى تقوم مقام الثلاثمائة وستّين حسنة التي يُستحبّ للمرء أن يسعى في تحصيلها كلّ يوم؟ لِيُعتق مفاصله التي هي بعددها، لا أنّ المراد أن صلاة الضحى تغني عن الأمر بالمعروف، وما ذُكر معه، وإنما كان كذلك؛ لأن الصلاة عملٌ بجميع الجسد، فتتحرّك المفاصل كلّها فيها بالعبادة.
وَيحْتَمِل أن يكون ذلك لكون الركعتين تشتملان على ثلاثمائة وستين ما بين قول وفعل؛ إذا جعلت كلّ حرف من القراءة مثلًا صدقة، وكانّ صلاة الضحى خُصّت بالذكر؛ لكونها أوّل تطوّعات النهار بعد الفرض، وراتبته، وقد أشار في حديث أبي ذرّ إلى أن صدقة السُّلامَى نهاريّة؛ لقوله: "يصبح على كلّ