للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: "ذو الحاجة الملهوف" أي: صاحب الحاجة المضطز إليها الذي قد شغله همّه بحاجته عن كلّ ما سواها، ولا شكّ في أن قضاء حاجة من كانت هذه حاله يتعدّد فيها الأجر، ويكفُر بحسب ما كَشَفَ من كربة صاحبها.

قال: ومقصود هذه الأحاديث الترغيبُ في أعمال البرّ والخير بطريق إظهار وجه الاستحقاق واللطف، والحمد لله. انتهى (١).

(قَالَ) أبو موسى -رضي الله عنه- (قِيلَ لَهُ) أي: للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- (أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟) ما ذُكر من إعانة ذي الحاجة (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("يَأمُرُ بِالْمَعْرُوفِ) (أَوِ) للشكّ (الْخَيْرِ") يَشْمَلُ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإفادة العلميّة، والإفادة العمليّة، والنصيحة العمليّة، وللبخاريّ: "فليعمل بالمعروف" (قَالَ) الراوي (أَرَأَيْتَ اِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟) أي: لم يتيسّر له ذلك (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإنَّهَا صَدَقَةٌ") وفي نسخة: ("فإنها له صدقةٌ"، قال في "الفتح": كذا وقع بضمير المؤنّث، وهو باعتبار الخصلة من الخير، وهو الإمساك، ووقع في رواية "الأدب": "فإنه" أي: الإمساك "له" أي: للممسك.

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "تمسك عن الشرّ، فإنها صدقةٌ" معناه: صدقةٌ على نفسه، كما في غير هذه الرواية، والمراد أنه إذا أمسك عن الشرّ لله تعالى كان له أجرٌ على ذلك كما أن للمتصدّق بالمال أجرًا. انتهى (٢).

وقال الزين ابن المنيّر؛ إنما يَحْصُل ذلك للممسك عن الشرّ؛ إذا نوى بالإمساك القربة، بخلاف محض الترك، والإمساك أعمّ من أن يكون عن غيره، فكأنه تصدّق عليه بالسلامة منه، فإن كان شرّه لا يتعدَّى نفسه، فقد تصدّق على نفسه بأن منعها من الإثم، قال: وليس ما تضمّنه الخبر من قوله: "فإن لم يجد" ترتيبًا، وإنما هو للإيضاح لما يفعله مَنْ عجز عن خصلة من الخصال المذكورة، فإنه يمكنه خصلة أخرى، فمن أمكنه أن يعمل بيده، فيتصدّق، وأن يُغيث الملهوف، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويمسك عن الشرّ، فليفعل الجميع.


(١) "المفهم" ٣/ ٥٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٧/ ٩٤.