(لَا يَقْبَلُ) وفي نسخة: "ولا يقبل" بواو العطف (إِلَّا طَيِّبًا) أي: لا يقبل من الصدقات ونحوها من الأعمال إلا طيبًا أي: منزهًا عن العيوب الشرعية، والأغراض الفاسدة في النيّة.
قال القاضي البيضاويّ -رحمه الله-: الطيِّب ضد الخبيث، فإذا وُصف به الله تعالى أُريد به أنه مُنَزَّه عن النقائص، مُقَدَّس عن الآفات والعيوب، وإذا وُصف به العبد مطلقًا أُريد به أنه المتَعَرِّي عن رذائل الأخلاق، وقبائح الأعمال، والمتحلِّي بأضداد ذلك، وإذا وُصف به الأموال أُريد به كونه حلالًا، من خيار الأموال.
ومعنى الحديث أنه تعالى مُنَزَّه عن العيوب، فلا يَقْبَل، ولا ينبغي أن يُتَقَرَّب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى، وهو خيار أموالكم الحلال، كما قال تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} الآية [آل عمران: ٩٢]. انتهى (١).
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: قوله: "لا يقبل إلا طيبًا" قد ورد معناه في حديث الصدقة، ولفظه:"لا يتصدق أحدٌ بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبًا"، متّفقٌ عليه، والمراد أنه تعالى لا يقبل من الصدقات إلا ما كان طيبًا حلالًا.
وقد قيل: إن المراد في هذا الحديث الذي نتكلم فيه الآن بقوله: "لا يقبل إلا طيبًا" أعمّ من ذلك، وهو أنه لا يَقْبَل من الأعمال إلا ما كان طيبًا طاهرًا من المفسدات كلها، كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيبًا حلالًا، فإن الطيب يوصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات، وكل هذه تنقسم إلى طيب وخبيث.
وقد قيل: إنه يدخل في قوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} الآية [المائدة: ١٠٠]، هذا كله، وقد قسم الله تعالى الكلام إلى طيب وخبيث، فقال:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} الآية [إبراهيم: ٢٤]، {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}[إبراهيم: ٢٦]، وقال تعالى: