{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} الآية [فاطر: ١٠]، ووصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث.
وقد قيل: إنه يدخل في ذلك الأقوال، والأعمال، والاعتقادات أيضًا، ووصف الله تعالى المؤمنين بالطيب، بقوله تعالى:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ} الآية [النحل: ٣٢]، وإن الملائكة تقول عند الموت:"اخرجي أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب"، وإن الملائكة تسلم عليهم عند دخولهم الجنة، يقولون لهم:{طِبْتُمْ}[الزمر: ٧٣]، وقد ورد في الحديث أن المؤمن إذا زار أخاه في الله، تقول له الملائكة:"طِبْتَ وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا"(١). فالمؤمن كله طيّبٌ، قلبه، ولسانه، وجسده، بما يسكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان، وداخلة في اسمه، فهذه الطيبات كلها يقبلها الله -عز وجل-.
ومن أعظم ما يحصل به طيبةُ الأعمال للمؤمن طِيبُ مطعمه، وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عمله.
قال: وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى أنه لا يُقبَلُ العملُ، ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبوله، فإنه قال بعد تقريره:"إن الله لا يقبل إلا طيبًا": "وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} الآية [المؤمنون: ٥١]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)} [البقرة: ١٧٢] ".
والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما كان الأكل حلالًا، فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولًا؟ وما ذكره بعد ذلك من الدعاء، وأنه كيف يتقبل مع الحرام، فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع
(١) رواه أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، وابن حبّان، وفي إسناده عيسى بن سِنان القسمليّ، وهو ضعيف.