النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"من كسب مالًا حرامًا، فتصدق به، لم يكن له فيه أجرٌ، وكان إصرُهُ عليه"، خرَّجه ابن حبان في "صحيحه"(١)، ورواه بعضهم موقوفًا على أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وفي مراسيل القاسم بن مُخَيمرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصاب مالًا من مأثم، فوصل به رحمه، وتصدق به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع الله ذلك جميعًا، ثم قذف به في نار جهنم".
ورُوي عن أبي الدرداء، ويزيد بن ميسرة أنهما جعلا مَثَلَ من أصاب مالًا من غير حِلِّه، فتصدق به مثلَ من أخذ مال يتيم، وكسا به أرملةً.
وسئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عمن كان على عمل، فكان يظلم، ويأخذ الحرام، ثم تاب، فهو يحجّ، وُيعتق، ويتصدق منه، فقال: إن الخبيث لا يكفر الخبيث، وكذا قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: إن الخبيث لا يكفر الخبيث، ولكن الطيب يكفر الخبيث، وقال الحسن: أيها المتصدق على المسكين ترحمه ارحم من قد ظلمت. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من أقوال أهل العلم وأدلّتهم أن الطاعة التي أدّيت بمال الحرام لا تُقبل، وأن الذي يظهر ترجيح القول بأنها لا تُسقط الفرض؛ لظواهر النصوص، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في أقوال أهل العلم فيمن تصدّق بالمال الحرام:
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: (اعلم): أن الصدقة بالمال الحرام تقع على وجهين:
[أحدهما]: أن يتصدق به الخائن، أو الغاصب، ونحوهما عن نفسه، فهذا هو المراد من هذه الأحاديث أنه لا يتقبل منه؛ يعني: أنه لا يؤجر عليه، بل يأثم بتصرفاته في مال غيره بغير إذنه، ولا يحصل للمالك بذلك أجر؛ لعدم قصده ونيّته، كذا قال جماعة من العلماء، منهم ابن عقيل من الحنابلة.
وفي كتاب عبد الرزاق من رواية زيد بن الأخنس الخزاعي، أنه سأل