للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصدقة به؛ لأن إتلاف المال وإضاعته منهيّ عنه، وإرصاده أبدًا تعريض له للإتلاف، واستيلاء الظلمة عليه، والصدقةُ به ليست عن مكتسبه حتى يكون تقربًا منه بالخبيث، وإنما هي صدقة عن مالكه؛ ليكون نفعه له في الآخرة حيث يتعذر عليه الانتفاع به في الدنيا (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من ذكر أقوال أهل العلم وأدلّتهم أن الأرجح قول من قال: إن من كان عنده مالٌ حرام، ولم يعرف مالكه، ولا ورثته يتصدّق به عنه؛ تخلّصًا منه، لا طمعًا في ثوابه، ولا يتركه عنده حتى يَتلَف، ويفسُد؛ لأن الله تعالى نهَى عن إضاعة المال، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): قوله: "ثم ذَكَرَ الرجل، يُطيل السفرَ، أشعث، أغبر، يَمُدّ يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأَنَّى يُستجاب لذلك؟ ".

قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: هذا الكلام أشار فيه -صلى الله عليه وسلم- إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابته، وإلى ما يَمنَع من إجابته، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعةً:

[أحدها]: إطالة السفر، والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثُ دعوات مستجابات، لا شك فيهنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده"، خرّجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذيّ (٢)، وعنده: "دعوة الوالد على ولده"، ورُوي مثله عن ابن مسعود -رضي الله عنه- من قوله.

ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاقّ، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء.


(١) "جامع العلوم والحكم" ١/ ٢٦٤ - ٢٦٩.
(٢) حديث صححه ابن حبّان، وله شاهد من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عند أحمد في "مسنده" (٤/ ١٥٤).