للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الناس بالإنصات له، هكذا رواية الشيخين بلفظ الأمر، ووقع في رواية للنسائيّ بلفظ: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع استنصت الناس … " بصيغة الماضي: أي طلب منهم الإنصات، وهو السكوت، ليمكنهم الإستماع لخطبته.

قال النوويّ رحمه الله تعالى: معناه: مُرْهم بالإنصات؛ ليسمعوا هذه الأمور المهمّة، والقواعد التي سأقرّرها لكم وأُحمّلكموها. انتهى (١).

وقال ابن منظور رحمه الله تعالى: نَصَتَ الرجلُ يَنْصِتُ نَصْتًا، وأنصت، وهي أعلى، وانتَصَتَ: سَكَتَ، وأنصته وأنصت له: مثلُ نَصَحَه، ونصح له، والإنصات: هو السكوت والإستماع للحديث، وأنشد أبو عليّ:

إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَأَنْصِتُوهَا … فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ

ويُرْوَى: "فَصَدِّقُوهَا" بدل "فأنصتوها"، ويقال: أنصت: إذا سَكَتَ، وأنصت غيره: إذا أسكته، قال شَمِر: أنصت الرجلُ: إذا سَكَت له، وأنصته: إذا أسكته، جعله من الأضداد. وأنصت يُنصِت إنصاتًا: إذا سَكَت سكوتَ مستمع، وقد أنصت وأنصته: إذا أسكته، فهو لازم ومتعد. انتهى باختصار (٢).

وقال في "الفتح": وقد وقع التفريق بين الإنصات والاستماع في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)} [الأعراف: ٢٠٤]، ومعناهما مختلفٌ، فالإنصات هو السكوت، وهو يحصل ممن يستمع وممن لا يستمع كأن يكون مفكّرًا في أمر آخر، وكذلك الإستماع قد يكون مع السكوت، وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه.

وإنما أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جريرًا - رضي الله عنه - بالإستنصات؛ لأنه أراد أن يخطب الناس، وكان الجمع كثيرًا جدًّا، وكان اجتماعهم لرمي الجمار وغير ذلك من أمور الحجّ، وقد قال لهم: "خُذُوا عنّي مناسككم"، كما سيأتي للمصنّف في "كتاب الحجّ"، فلما خطبهم ليعلّمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات (٣).


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٥٦ "كتاب الإيمان".
(٢) راجع: "لسان العرب" ٢/ ٩٨ - ٩٩.
(٣) راجع: "الفتح" ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣.