للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ قَالَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد أن استنصت له جرير - رضي الله عنه - الناس ("لَا تَرْجِعُوا) أي لا تصيروا، قال ابن مالك: "رجع" هنا استُعمل استعمال "صار" معنًى وعملًا: أي لا تصيروا بعدي كُفّارًا، فعلى هذا "كُفّارًا" منصوب؛ لأنه خبر "لا ترجعوا" (بَعْدِي) أي بعد موتي، أو بعد مجلسي هذا.

وقال العينيّ رحمه الله تعالى: قال الطبريّ: أي بعد فراقي لموقفي هذا، وقال غيره: خلافي، أي لا تخلفوني في أنفسكم بعد الذي أمرتكم به.

ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - عَلِم أن هذا لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد وفاته، وقال المظهريّ: يعني إذا فارقت الدنيا، فاثبُتُوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تُحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل، وقال محيي السنّة: أي لا تكن أفعالكم شبيهةً بأفعال الكفّار في ضرب رقاب المسلمين. انتهى (١).

(كُفَّارًا) بضم الكاف وتشديد الفاء: جمع كافر، كما قال في "الخلاصة":

وَفُعَّلٌ لِفَاعِلٍ وَفَاعِلَهْ … وَصْفَيْنِ نَحْوُ عَاذِلٍ وَعَاذِلَهْ

وَمِثْلُهُ الْفُعَّالُ فِيمَا ذُكِّرَا … وَذَانِ فِي الْمُعَلِّ لَامًا نَدَرَا

وقد ذكر الحافظ في "الفتح" جملة ما قيل في معناه، وهي عشرة أقوال:

[أحدها]: قول الخوارج: إنه على ظاهره.

[ثانيها]: هو في المستحلّ.

[ثالثها]: المعنى كُفّارًا بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين.

[رابعها]: تفعلون فعل الكفّار في قتل بعضهم بعضًا.

[خامسها]: لابسين السلاح، يقال: كَفَرَ دِرْعه: إذا لبس فوقها ثوبًا.

[سادسها]: كُفّارًا بنعمة الله.

[سابعها]: المراد الزجر عن الفعل، وليس ظاهره مرادًا.

[ثامنها]: لا يُكَفِّر بعضكم بعضًا، كأن يقول أحد الفريقين للآخر: يا كافر، فيَكْفُرُ أحدهما (٢).


(١) راجع: "عمدة القاري" ٢/ ١٥٥ "كتاب العلم".
(٢) "فتح" ١٤/ ١٧٤ - ١٧٥ "كتاب الديات" حديث (٦٨٧٥).