للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُستَنْقَع فيها ماءُ المطر، فشبّه صفاء وجهه الكريم -صلى الله عليه وسلم- بإشراق السرور بصفاء هذا الماء الْمُستَنقع في الحجر، أو بصفاء الدُّهْن والْمُدْهُن.

وقال القاضي عياض في "المشارق" وغيره من الأئمّة: هذا تصحيفٌ، وهو بالذال المعجمة، والباء الموحّدة، وهو المعروف في الروايات، وعلى هذا ذكر القاضي وجهين في تفسيره:

[أحدهما]: معناه فضة مُذهبة، كما قال الشاعر:

كَأنَّهَا فِضَّةٌ قَدْ مَسَّهَا ذَهَبُ

ويعني به: تشبيه إشراق وجهه وتنويره، فهو أبلغ في ذلك.

[والثاني]: شبّهه في حسنه، ونوره بالْمُذْهَبَة من الجلود، والسُّرُوج، والأقداح، وغير ذلك، وجمعها مذاهب، وهي شيءٌ كانت العرب تصنعه من جلود، وتَجعَل فيها خطوطًا مُذْهَبَة، يُرَى بعضها إثرَ بعض.

وأما سبب سروره -صلى الله عليه وسلم-، فهو الفرح بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذلِ أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البرّ والتقوى، فينبغي للإنسان إذا رأى شيئًا من هذا القبيل أن يفرح، ويُظهر سروره، ويكون فرحه لما ذكرناه. انتهى كلام النووي -رحمه الله- في "شرحه"، بزيادة من "المفهم" (١).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً) أي: مَن أَتَى بطريقة مرضيّة، يُقتَدَى به فيها، كما فعل هذا الأنصاريّ الذي أَتَى بصُرّة، يقال: سنّ الطريقةَ: إذا سار فيها، كاستسنّها، قاله في "القاموس".

والسنة الحسنة هي: الطريقة المحمودة، التي يدلّ عليها الكتاب والسنّة (فَلَهُ أَجْرُهَا) قال الطيبئ -رحمه الله-: الضمير للسنّة، والإضافة يكفي في استقامتها أدنى ملابسة، فإن السنّة الحسنة لَمّا كانت سببًا في ثبوت أجر عاملها أضيف الأجر إليها بهذا، كما إذا رأيت بناءً رفيعًا، فقلت: هذا بناء الأمير، أو أن المضاف محذوف؛ أي: فله أجر عملها، فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول. انتهى (٢).


(١) "شرح مسلم للنوويّ" ٧/ ١٠٥، و"المفهم" للقرطبيّ ٣/ ٦٢ - ٦٣.
(٢) "الكاشف" ٢/ ٦٧١.