(وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ) ظاهره أنّه يَحْصُل له الأجر، ولو لم ينو المبتدئ أن يُتّبع فيها، ففيه ثبوت الأجر مع عدم نيّة الفاعل، فيكون مُخَصِّصًا لحديث "إنما الأعمال بالنيّات"، والله تعالى أعلم. (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ)"نقص" يُستعمل لازمًا، ومتعدّيًا، يقال: نَقَصَ المالُ نَقْصًا، وانتقَصَ: إذا ذهب منه شيء بعد تمامه، فهو لازم، ويقال: نقصته، فهو متعدٍّ، وهذه هي اللغة الفصيحة، وبها جاء القرآن في قوله تعالى:{نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} الآية [الرعد: ٤١]، وقوله:{غَيْرَ مَنْقُوصٍ}[هود: ١٠٩]، وفي لغة ضعيفة يتعذى بالهمزة والتضعيف، ولم يأت في كلام فصيح، ويتعدّى أيضًا بنفسه إلى مفعولين، فيقال: نقصت زيدًا حقّه، وانتقصته مثله، أفاده الفيّوميّ.
قال الجامع عفا الله عنه: إذا عرفت هذا، فما هنا من اللازم، ولهذا رُفع قوله:"شئٌ" على الفاعليّة، ووقع في رواية النسائيّ بنصب "شيئًا"، فيكون من المتعدّي، فتنبّه، والله تعالى أعلى أعلم.
والسنّة السيّئة هي الطريقة المذمومة، وهي التي تُبتدَع بعد تمام الدين على أنها منه، وهي الْمَعْنِيّة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار"(كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا) -بكسر، فسكون-: الإثم، والثِّقَل، يقال: وَزَرَ يَزِرُ، من باب وَعَدَة إذا حَمَلَ الإثمَ، وفي التنزيل:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الآية [الإسراء: ١٥]. والجمع أوزارٌ، مثلُ حِمْلٍ وأحمالِ. أي: عليه إثم فعلها (وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ) أي: ومثل وزر مَن عَمِل بها، وهذا لا يعارض قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر: ١٨] لأنّ هذا فعله، لا فعل غيره، وذلك لأنه ابتدأ هذه السنّة السيّئة، وتبعه عليها غيره، فصار سببًا في الشرّ، فالإثم جاءه من تسبّبه، والله تعالى أعلم.
(مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ") يعني: أنهم يتحمّلون أوزار عملهم السيّئ كاملة، وهو يتحمّل وزر تسبّبه في ذلك.
قال النوويّ -رحمه الله-: وسبب هذا الكلام في هذا الحديث، أنه قال في أوّله: "فجاء رجل بِصُرَّة، كادت كفّه تَعْجِزُ عنها، ثمّ تتابع الناس"، وكان