للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع في "معاني الفرّاء" أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حثّ على الصدقة، فجاء عمر بصدقة، وعثمان بصدقة عظيمة، وبعض أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم -يعني: عبد الرحمن بن عوف، ثم جاء أبو عَقيل بصاع من تمر، فقال المنافقون: ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء، وأما أبو عَقِيل، فإنما جاء بصاعه ليذكّر بنفسه، فنزلت، ولابن مردويه من طريق أبي سعيد: "فجاء عبد الرحمن بن عوف بصدقته، وجاء المطّوّعون من المؤمنين … " الحديث، ذكره في "الفتح" (١).

(فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا) أي: عن صدقة أبي عَقِيل (وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ) بالرفع بدلًا من اسم الإشارة، وعَنَوا به الإنسان الذي جاء بمال كثير، وقد تقدّم الخلاف فيه آنفًا (إِلَّا رِيَاءً) أي: إلا إظهارًا لصدقته للناس، لِيَرَوه، ويَظُنّوا به خيرًا، ويحمدوه عليها.

(فنزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} أي: يعيبون {الْمُطَّوِّعِينَ} قرأ الجمهور بتشديد الطاء، والواو، وأصله المتطوعين، فأدغمت التاء في الطاء، وهم الذين يغزون بغير استعانة برزق من سلطان، أو غيره ({مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}) بيان للمطّوعين ({فِي الصَّدَقَاتِ}) متعلق بيلمزون ({وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ}) معطوف على "المطّوّعين"، وأخطأ من قال: إنه معطوف على {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ}؛ لاستلزامه فساد المعنى، وكذا من قال: معطوف على {الْمُؤْمِنِينَ}؛ لأنه يُفْهَم منه أن {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} ليسوا بمؤمنين؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، فكأنه قيل: الذين يلمزون المطّوّعين من هذين الصنفين: المؤمنين، والذين لا يجدون إلا جهدهم، فكأن الأولين مُطّوّعون مؤمنون، والثاني مطّوّعون غير مؤمنين، وليس بصحيح، فالحقّ أنه معطوف على {الْمُطَّوِّعِينَ}، ويكون من عطف الخاصّ على العامّ، والنكتة فيه التنويه بالخاصّ؛ لأن السخريّة من المقلّ أشدّ من المكثر غالبًا، والله أعلم. قاله في "الفتح".

قال أهل اللغة: الْجُهْد بالضم: الطاقة، والْجَهْد بالفتح: المشقة، وقال الشعبيّ: الْجُهْد هو القدرة، والْجَهْد في العمل (٢).


(١) "الفتح" ٩/ ٢٣٠ - ٢٣١.
(٢) "عمدة القاري" ٨/ ٢٧٧.