للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"غدت بصدقة، وراحت بصدقة"، وهو خبر المبتدأ على قول، والصحيح أن خبرها ما بعدها؛ لأن "مَن" الشرطيّة لا تحتاج إلى صلة، بل هي اسم تامّ، وإنما لم يتمّ الكلام بما بعدها لما تضمّنته من معنى الشرط، فتدبّره، فإنه الصحيح.

قال: والمَنِيحة، والْمِنْحة: عطيّة ذوات الألبان؛ لينتفع المعطَى له باللبن، ثم يردّ المحلوب.

ومعنى الكلام: أن مَن مَنَحَ مَنِيحةً كان للمانح صدقةً كلّما غدت أو راحت؛ لأجل ما ينال منها في الصباح والمساء، والغُدُوّ: البُكْرة، والرواح: العشيّ. انتهى (١).

(كَدَتْ) أي: تلك المنيحة لمانحها (بِصَدَقَةٍ) أي: بثواب صدقة عظيمة، فالتنوين للتعظيم، كما دلّ عليه الحديث الماضي: "إن أجرها لعظيم" (وَرَاحَتْ بِصَدَقَةٍ) وقوله: (صَبُوحَهَا وَغَبُوقَهَا") منصوبان على الظرفيّة، أو مجروران على البدليّة من قوله: "صدقةٍ"، و"الصبوح" بفتح الصاد: الشرب أول النهار، و"الغبوق" بفتح الغين: الشرب أول الليل، قاله القاضي عياض -رحمه الله- (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: الصَّبُوح: شرب الصباح، والْغَبُوق: شرب العشيّ، والجاشريّة: شرب نصف النهار. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف -رحمه الله-.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [٢٣/ ٢٣٥٨] (١٠٢٠)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (٣/ ٢٦٢)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه" (٣/ ٩٦)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط" (٢/ ٢٦)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (١١/ ٤٧)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (٤/ ١٨٤)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "المفهم" ٣/ ٦٥.
(٢) راجع: "إكمال المعلم" ٣/ ٥٤٣.
(٣) "المفهم" ٣/ ٦٥.