الاستدلال به في صدقة الفرض، وهذا الاستدلال مبنيّ على أنّ شرع من قبلنا شَرْع لنا، ما لم يظهر نسخه، وإنكاره في شرعنا، وهو المذهب الحقّ، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة الرابعة، إن شاء الله تعالى.
(اللَّيْلَةَ) منصوب على الظرفيّة متعلّق بما قبله (بِصَدَقَةٍ) قال القاري -رحمه الله-: أي بصدقة عظيمة واقعة موقعها؛ ليتعلق بها قبول عظيم. انتهى.
(فَخَرَجَ) أي من بيته (بِصَدَقَتهِ) أي التي نَوَى أن يَضَعَها في يد مستحقّها (فَوَضَعَهَا فِي يَدِ) امرأة (زَانِيَةٍ) أي لعدم علمه بكونها زانيةً (فَأَصْبَحُوا) أي القوم الذين كان فيهم ذلك المتصدّق، وقوله:(يَتَحَدَّثُونَ) في موضع نصب خبر "أصبحوا"؛ أي يُحدّث بعضهم بعضًا؛ تعجّبًا واستنكارًا (تُصُدِّقَ اللّيْلَةَ) منصوب على الظرفيّة متعلّق بما قبله (عَلَى زَانِيَةٍ) ببناء الفعل للمفعول، وهو إخبارٌ بمعنى التعجّب، أو الإنكار، قاله السنديّ -رحمه الله- في "شرح النسائيّ".
(قَالَ) ذلك المتصدّق (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ) أي على تصدّقي على امرأة زانية؛ يعني أنه ليس في ذلك اختيار؛ حيث وقعت صدقتي بيد من لا يستحقّها، فلك الحمد؛ إذ كان ذلك بإرادتك، لا بإرادتي، فإن إرادتك كلها جميلة، ولا يُحمَد على المكروه سواك، وقدّم الخبر على المبتدأ في قوله:"لك الحمد" لإفادة الحصر.
وقال الطيبيّ: لما جَزَمَ بوضعها في موضعها بدلالة التنكير في "بصدقةٍ"، وأبرز كلامه في معرض القسم تأكيدًا، أو قطعًا للقبول بها، جُوزي بوضعها في يد سارق، فحمد الله، وشكره على أنه لم يقدر أن يتصدّق على من هوأسوأ حالًا منه؛ أي لك الحمد لأجل وقوع الصدقة في يده دون من هو أشدّ حالًا منه، أو أجرى الحمد مجرى التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يُتعجّب منه تعظيمًا لله؛ يعني أنه ذَكَرَ الحمد في موضع التعجّب، كما يُذكر التسبيح في موضعه، فلما تعجّبوا من فعله تعجّب هوأيضًا، فقال: اللهم لك الحمد على سارق. انتهى.
قال الحافظ: لا يخفى بُعْدُ هذا الوجه، وأما الذي قبله، فأبعد منه، والذي يظهر الأول، وأنه سَلّم، وفوّض، ورَضِي بقضاء الله، فحمد الله على تلك الحال؛ لأنه المحمود على جميع الحال، لا يُحمد على المكروه سواه.