وأمثال هذا كثيرة جدًّا. انتهى ما كتبه الشيخ الشنقيطيّ رحمه الله تعالى في كتابه المذكور (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.
إذا علمت ما سبق من التحقيق، فقد تبيّن لك أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو أيضًا منصوص للإمام الشافعيّ، من أنّ شرع من قبلنا؛ إذا قصّه الله تعالى في كتابه، أو قصّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيما صحّ عنه، ولم يَرِد في شرعنا ما يخالفه، فإنه يكون شرعًا لنا.
ومن الأدلة القوية لذلك ما أخرجه البخاري -رحمه الله- في "الصحيح" من حديث أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يَلْهَث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال:"نعم في كل ذات كبد رطبة أجر".
ومحل الشاهد قول الصحابة -رضي الله عنهم-: "وإن لنا … إلخ" حيث فهموا من ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا القصّة أنهم لو عملوا بمثل عمله يؤجرون مثل أجره، فاستثبتوا ذلك منه -صلى الله عليه وسلم-، فأقرّهم على فهمهم، وأوضح لهم بأن لهم في كل حيوان ذات كبد رطبة أجرًا، وإلا لقال لهم: إن هذه الحكاية ليست لكم، وإنما هي لمن كان قبلكم فقط، فليُتنبه، والله تعالى أعلم.
وقد نظمت ما سبق من التحقيق في "التحفة المرضيّة" بقولي: