تكفي عن البيّنة في أمور كثيرة، كقول مالك: إن مَن استُنكِهَ، فَشُمّ من نكهته رائحة الخمر أنه يُجلد جلدَ شارب الخمر. وكمسيس الزوجة التي زُفّت إليه مع نساء لا تُثبت شهادتهنّ عينَ الزوجة؛ اعتمادًا على القرينة. وكالضيف يأتيه الصبيّ، أو الوليدة بالطعام، فيباح له أكله من غير بيّنة؛ اعتمادًا على القرينة. وكأخذ المالكيّة، وغيرهم أيضًا أن القرينة تُبطلها قرينة أقوى منها، من قصة يعقوب، وأولاده حيث جعلوا دم السخلة على قميص يوسف؛ ليكون الدم قرينة لهم على صدقهم في أنّ يوسف أكله الذئب، فأبطلها يعقوب بقرينة أقوى منها، وهي عدم شقّ القميص، فقال: سبحان الله، متى كان الذئب حليمًا كيّسًا، يقتل يوسف، ولا يشقّ قميصه (١). كما ذكر الله عنهم في قوله:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} الآية [يوسف: ١٨].
وكأخذ المالكيّة وغيرهم جوازَ ضمان الغُرْم من قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}.
وكأخذ بعض الشافعية جواز ضمان الوجه المعروف عندهم بالكفالة، من قصّة يعقوب وأولاده المنصوص في قوله:{لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} الآية [يوسف: ٦٦].
وكاخذ الحنابلة جواز طول مدّة الإجارة من قوله في قصّة موسى وشُعيب:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} الآية إلى قوله: {ثَمَانِيَ حِجَجٍ}[القصص: ٢٧].
وكأخذ المالكيّة وجوب الإعذار للخصم بـ "أَبَقِيَ لَكَ حُجّةٌ؟ " من قوله في قصّة سليمان في الهدهد: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١)} [النمل: ٢١].
وكأخذهم أيضًا أن التلوّم للخصم بعد انقضاء الآجال ثلاثةُ أيّام، من قوله تعالى في قصّة صالح -عليه السلام- وقومه:{فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} الآية [هود: ٦٥].
وكأخذ العلماء جواز وقوع كرامات الأولياء من قوله تعالى في قصّة مريم:{قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآية [آل عمران: ٣٧].