للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحجة الجمهور أنه ما ذُكر لنا في شرعنا إلا للاعتبار، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: ١١١] وثمرة الاعتبار العمل، وقد حضّ تعالى في آيات كثيرة على الاعتبار بأحوال الأمم الماضية.

ومما استدلّ به الجمهور أن الله لما ذكر الأنبياء في سورة الأنعام، قال للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠]، والأصحّ أن الأمر للوجوب، وأنّ الأمّة تدخل تحت الخطاب الخاصّ به -صلى الله عليه وسلم-.

واستدلّوا أيضًا بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية [الشورى: ١٣] وبقوله: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية [النساء: ٢٦].

واحتجّ الإمام الشافعيّ على أن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} الآية [المائدة: ٤٨]، وقال: إن الْهُدَى في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، والدينَ في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} المراد بهما العقائد، دون الفروع العمليّة، بدليل الآية المذكورة.

والحقّ أنه لا يختصّ بذلك؛ لما في "صحيح البخاريّ" عن مجاهد أنه سأل ابن عبّاس -رضي الله عنه- من أين سجدتَّ؟ -يعني في {ص} - فقال: أوَ ما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، فكان داود ممن أُمر نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي به، فسجدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فهذا نصّ صريحٌ مرفوعٌ إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في "صحيح البخاريّ" على أنّ سجود التلاوة داخل في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، وهو ليس من العقائد بالإجماع، فظهر عدم الاختصاص بالعقائد.

وأجاب الجمهور عن احتجاج الشافعيّ بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} بأن المراد بها نسخ بعض ما كان مشروعًا، أو زيادةُ ما لم يكن مشروعًا، وكلاهما ليس من محلّ النزاع.

ولم يزل العلماء يستدلّون على الأحكام بالقصص الماضية، كاستدلال المالكيّة، وغيرهم على أن القرينة الجازمة ربما تكفي عن البينة بجعل شاهد يوسف قرينةَ شقّ القميص من دبر مقتضية صدقَ يوسف -عليه السلام-، وكذب امرأة العزيز المنصوص في قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} إلى قوله: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} الآية [يوسف: ٢٨] ولذا صارت القرينة