للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَهُوَ وَالأمَّةُ بَعْدُ كلِّفَا … إِلَّا إِذَا التَّكْلِيفُ بِالنَّصِّ انْتَفَى

وَقِيلَ لَا وَالْخُلْفُ فِيمَا شُرِعَا … وَلَمْ يَكُنْ دَاعٍ إِلَيْهِ سُمِعَا

ما حاصله: يعني أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأمته بعد نزول الوحي مكلّفون بشرع من قبلهم، خلافًا للشافعيّ، ومحلّ الخلاف فيما ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لمن قبلنا، ولم يثبت في شرعنا أنه شرع لنا.

قال: وهذه المسألة هي مسألة: هل شرعُ من قبلنا شرعٌ لنا؟. وتحقيق المقام فيها أن لها ثلاث حالات:

(الأولى): يكون شرع من قبلنا فيها شرعًا لنا بلا خلاف، وهي ما إذا ثبت في شرعنا أنه كان شرعًا لمن كان قبلنا، ثمّ نصّ لنا في شرعنا أنه شرع لنا، كالقصاص؛ لأن الله بَيّن أنه كان شرعًا لمن قبلنا بقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية [المائدة: ٤٥]، ونصّ على أنه شرع لنا أيضًا في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} الآية [البقرة: ١٧٨].

(الثانية): ليس شرعًا لنا فيها بلا خلاف، وهي في صورتين:

(إحداهما): ما لم يثبت بشرعنا أصلًا، ولو زعموا أنه من شرعهم.

(والأخرى): ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لهم، ونُصّ لنا على أنه ليس شرعًا لنا، كالآصار، والأثقال التي شُرعت على من قبلنا، كإيجابه على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم توبةً من عبادة العجل المنصوص في قوله: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} الآية [البقرة: ٥٤]، فإن هذه الآصار رُفعت عنّا، كما قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧]، وثبت في "صحيح مسلم": "أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما قرأ: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: ٢٨٦]، قال الله: قد فعلت".

(الثالثة): هي محلّ الخلاف، وهي ما إذا ثبت بشرعنا أنه كان شرعًا لمن قبلنا، ولم ينصّ في شرعنا على أنه مشروع لنا، ولا غير مشروع، والجمهور على أنه شرعٌ لنا؛ خلافًا للشافعيّ (١).


(١) وقد تقدّم في كلام الزركشيّ أن الشافعيّ نصّ في كتابه "الأمّ" بما قال الجمهور، فالظاهر أن له قولين في المسألة، فتنبّه.