والجارّ والمجرور خبر مقدّم، وقوله:(يُدْعَى) بالبناء للمفعول (مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ) والجملة صفة لـ"أحد"، وقوله:(مِنْ ضَرُورةٍ)"من" زائدة، و"ضرورة" مبتدأ مؤخّز؛ يعني أنه ليس على الشخص الذي يُدعَى من أيّ باب من تلك الأبواب ضررٌ يلحقه أبدًا؛ لأن مآله الفوز بنعيم الجنّة.
وفي الرواية التالية من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-رضي الله عنه-: "فقال أبو بكر: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذاك الذي لا تَوَى عليه"، والتّوَى الضَّيَاع، والخسارة.
وَيحْتَمِل أن يكون المعنى أن من دُعي من باب من تلك الأبواب ليست له حاجةٌ إلى أن يُدعَى من جميع الأبواب؛ إذ الباب الواحد يكفي لدخوله الجنّة، والله تعالى أعلم.
(فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟) لقيامه بالأعمال الموجبة لها (قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَعَمْ) أي نعم يُدعَى من جميع تلك الأبواب، وفي الحديث إشعار بقلّة من يُدعَى من تلك الأبواب كلها، وفيه أيضًا إشارة إلى أن المراد ما يتطوّع به من الأعمال المذكورة، لا واجباتها؛ لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوّعات، فقلّ من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوّعات.
ثم من يجتمع له ذلك إنما يُدْعَى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، قال الحافظ -رحمه الله-: ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه، والله أعلم.
- وأما ما أخرجه مسلم عن عمر - رضي الله عنه-: "من توضّأ، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله … " الحديث، وفيه: "فُتحت له أبواب الجنّة، يدخل من أيها شاء"، فلا ينافي ما تقدّم، وإن كان ظاهره أنه يعارضه؛ لأنه يُحْمَل على أنها تفتح له على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه، كما تقدّم، والله أعلم (١).
(وَأَرْجُوأَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ") قال الإمام ابن حبّان -رحمه الله- في "صحيحه" بعد