للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنها-) أنها (قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْفِقِي) بقطع الهمزة، أمر من الإنفاق (أَوِ انْضِحِي، أَوِ انْفَحِي) "أو" في الموضعين للشكّ من الراوي، قال النوويّ رحمه الله: أما "انفحي"، فبفتح الفاء، وبحاء مهملة، وأما "انضحي" فبكسر الضاد، ومعنى "انفحي"، و"انضحي": أعطي، والنفح والنضح: العطاءُ، ويُطْلق النضح أيضًا على الصبّ، فلعله المراد هنا، ويكون أبلغ من النفح. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "فبكسر الضاد"، الذي في "المصباح المنير" أن نضح من بابي ضرب ونفع، فيكون بكسر الضاد وفتحها (٢)، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "انفحي … إلخ" معناه: أعطي، وأصل النفح: الضرب بالعصا، أو بالسيف، وكأن الذي يُنفق يضرب المعطَى له بما يُعطيه، وَيحْتَمل أن يكون من نَفَحَ الطيب: إذا تحرّكت رائحته؛ إذ العطيّة تُستطاب كما تُستطاب الرائحة الطيِّبَةُ، أو من نفحت الريح: إذا هبّت باردةً، فكأنه أمر بعطيّة سهلة كثيرة، وفي حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه-: "ونَفَحَ به يمينًا وشمالًا"؛ أي أعطاه في كلّ وجه، وأصل النضح: الرشّ، وكأنه أمر بالصدقة بما تيسّر، وإن كان قليلًا. انتهى (٣).

(وَلَا تُحْصِي) من الإحصاء، وهو معرفة قدر الشيء، أو وزنه، أو عدده (فَيُحْصِيَ اللهُ عَلَيْكِ") بالنصب؛ لوقوعه بعد الفاء السببيّة، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ … مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ

قيل: هذا من مقابلة اللفظ باللفظ، وتجنيس الكلام بمثله في جوابه، كقوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: ٥٤]؛ أي يمنعك كما منعت، ويُقتّر عليك كما قتّرت، ويُمسك فضله عنك كما أمسكته، وقيل: معناه لا تُحصي ما تُعْطِي؛ أي لا تَعُدِّيه، فتستكثريه، فيكون سببًا لانقطاع إنفاقك (٤)،


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١١٨.
(٢) راجع: "المصباح" ٢/ ٦٠٩.
(٣) "المفهم" ٣/ ٧٣.
(٤) "شرح النووي" ٧/ ١١٩.