للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما ما ذكره ابن بطّال، فمما لا يخفى ما فيه من التكلّف والتعسّف، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتهَا) ووقع لأبي ذر في "صحيح البخاريّ" بلفظ: "لجارةٍ" بدون إضافة، والمتعلَّق محذوف، تقديره: "هديةً مُهداةً" (وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ") بكسر الفاء، والمهملة، بينهما راء ساكنة، وآخره نون: هو عظمٌ قليلُ اللحم، وهو للبعير موضع الحافر للفرس، ويُطْلَق على الشاة مجازًا، ونونه زائدة، وقيل: أصلية، قاله في "الفتح".

وقال في "العمدة": "الفِرْسن" بكسر الفاء، وسكون الراء، وكسر السين المهملة، وفي آخره نون، قال ابن دريد: هو ظاهر الْخُفّ، والجمع فراسن، وفي "المحكم": هي طَرَف خفّ البعير. انتهى. حكاه سيبويه في الثلاثيّ، ولا يقال في جمعه: فِرْسِنات، كما قالوا: خَنَاصر، ولم يقولوا: خِنْصِرات، وفي "المخصص": هو عند سيبويه فِعْلِنٌ، ولم يَحْك في الأسماء غيره، وقال أبو عبيد: السُّلامَى عظام الْفِرْسِن كلُّها، وفي "الجامع": هو من البعير بمنزلة الظُّفُر من الإنسان، وفي "المغيث": هو عظمٌ قليلُ اللحم، وهو للشاة والبعير بمنزلة الحافر للدابة، وقيل: هو خُفّ البعير، وفي "الصحاح": ربما استعير للشاة، وقال ابن السرّاج: النون زائدة، وقال الأصمعيّ: الفرسن ما دون الرسغ من يد البعير، وهي مؤنثة. انتهى (١).

قال في "الفتح": وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير، وقبوله، لا إلى حقيقة الفِرْسِن؛ لأنه لم تجر العادة بإهدائه؛ أي لا تمنع جارةٌ من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر، وإن كان قليلًا، فهو خير من العدم، وذَكَرَ الفِرْسِن على سبيل المبالغة.

وَيحْتَمِل أن يكون النهي إنما وقع لِلْمُهْدَى إليها، وأنها لا تحتقر ما يُهْدَى إليها، ولو كان قليلًا، وحمله على الأعم من ذلك أولى.

وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- المذكور: "يا نساء المؤمنين، تَهَادَوْا، ولو فِرْسِن شاة، فإنه يُنْبِت المودّة، ويُذْهِب الضغائن". انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "عمدة القاري" ١٣/ ١٢٦.
(٢) "الفتح" ٦/ ٤١٧.