للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة، بحيث إن شماله مع قربها من يمينه، وتلازمهما لو تُصُوِّر أنها تعلم لَمَا عَلِمَت ما فَعَلت اليمين؛ لشدة إخفائها، فهو على هذا من مجاز التشبيه، ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزقي: "تصدق بصدقة، كأنما أخفى يمينه من شماله".

ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف، والتقدير: حتى لا يعلم ملك شماله، وأَبعَدَ من زَعَمَ أن المراد بشماله نفسه، وأنه من تسمية الكل باسم الجزء، فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه.

وقيل: هو من مجاز الحذف، والمراد بشماله مَنْ على شماله من الناس، كأنه قال: مجاور شماله.

وقيل: المراد أنه لا يرائي بصدقته، فلا يكتبها كاتب الشمال.

وحَكَى القرطبيّ عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه، وفيه نظر، إن كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة، وإن أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فمسلّم، والله أعلم. انتهى (١).

(وَ) السابعِ (رَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ) أي بقلبه من التذكر، أو بلسانه من الذكر، حال كونه (خَالِيًا) أي من الخلق؛ لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء، أو المراد: خاليًا من الالتفات إلى غير الله تعالى، ولو كان في ملأ، ويؤيّده رواية البيهقيّ: "ذكر الله بين يديه"، ويؤيّد الأول رواية ابن المبارك، وحماد بن زيد: "ذكر الله في خلاء": أي في موضع خال، وهي أصحّ، قاله في "الفتح" (٢).

(فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ") أي فاضت الدموع من عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغةً، كأنها هي التي فاضت، قال القرطبيّ رحمه الله: وفيض العين بكاؤها وهو على حَسَب حال الذاكر، وبحسب ما يُكْشَف له، من أوصافه تعالى، فإن انكشف له غضبه، فبكاؤه عن خوف، وإن انكشف له جماله وجلاله، فبكاؤه عن محبّة وشوق، وهكذا يتلوّن الذاكرون بتلوّن ما يُذْكَر من الأسماء والصفات. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ٢/ ٣٦٦.
(٢) "الفتح" ٢/ ٥٠٨.
(٣) "المفهم" ٣/ ٧٧.