للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَتِلْوَ "حَتَّى" حَالًا اوْ مُؤَوَّلَا … بِهِ ارْفَعَنَّ وَانْصِبِ الْمُسْتَقْبَلَا

و"تعلم" يَحْتَمِل الوجهين، فلذا جاز فيه وجهان.

(يَمِينُهُ مَما تُنْفِقُ شِمَالُهُ) قال النوويّ رحمه الله: هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات نسخ مسلم: "لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"، والصحيح المعروف: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، هكذا رواه مالك في "الموطأ"، والبخاري في "صحيحه"، وغيرهما من الأئمة، وهو وجه الكلام؟ لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين، قال القاضي: ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم، لا من مسلم بدليل إدخاله بعده حديث مالك رحمه الله، وقال: بمثل حديث عبيد الله، وبَيَّن الخلاف في قوله: "وقال: رجل مُعَلَّق بالمسجد؛ إذا خرج منه حتى يعود"، فلو كان ما رواه مخالفًا لرواية مالك لَنَبَّهَ عليه، كما نَبَّه على هذا. انتهى (١)، وسيأتي الكلام في البحث في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى-.

وفي رواية البخاريّ: "ورجل تصدّق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه".

وقوله: (فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ) مرفوع على الفاعليّة، وقوله: (مَا تُنفق يَمِينُهُ) منصوب على المفعوليّة، وإنما ذكر اليمين، والشمال؛ للمبالغة في الإخفاء والإسرار بالصدقة، وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال، ولملازمتهما، ومعناه: لو قُدّرت الشمال رجلًا متيقّظًا لَمَا عَلِمَ صدقة اليمين لمبالغته في الإخفاء. وقيل: المراد مَن على شماله من الناس، قاله في "العمدة" (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: هذا مبالغة في إخفاء الصدقة، وقد سمعنا من بعض المشايخ أن ذلك أن يتصدّق على الضعيف في صورة المشتري منه، فيدفع له درهمًا مثلًا في شيء يُساوي نصف درهم، فالصورة مبايعة، والحقيقة صدقة، وهو اعتبارٌ حسن. انتهى (٣).


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١٢٢.
(٢) "عمدة القاري" ٤/ ٣٥٣.
(٣) "المفهم" ٣/ ٧٧.