للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها، قاله في "الفتح".

وقال النوويّ: ومعنى قوله: "دعته": أي دعته إلى الزنا بها، هذا هو الصواب في معناه، وذكر القاضي فيه احتمالين: أصحّهما هذا، والثاني: أنه يَحْتَمِل أنها دعته لنكاحها، فخاف العجز عن القيام بحقّها، أو أن الخوف من الله تعالى شغله عن لذّات الدنيا، وشهواتها. انتهى (١).

(فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ) عز وجل، زاد في رواية كريمة للبخاريّ: "فقال: إني أخاف الله رب العالمين"، والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه، إما ليزجرها عن الفاحشة، أو ليعتذر إليها، ويَحْتَمِل أن يقوله بقلبه.

قال القرطبي رحمه الله: وقول المدعوّ في مثل هذا: "إني أخاف الله"، وامتناعه لذلك دليل على عظيم معرفته بالله تعالى، وشدّة خوفه من عقابه، ومتين تقواه، وحيائه من الله تعالى، وهذا هو المقام اليوسفيّ. انتهى (٢).

(وَ) السادس (رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ) نَكّرها ليشمل كل ما يُتصدق به من قليل، وكثير، وظاهره أيضًا يشمل المندوبة والمفروضة، لكن نقل النوويّ عن العلماء، أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها، قاله في "الفتح".

وقال القرطبيّ: هذه صدقة التطوّع في قول ابن عبّاس، وأكثر العلماء، وهو حضّ على الإخلاص في الأعمال، والتستّر بها، ويستوي في ذلك جميع أعمال البرّ التطوّعيّة، فأما الفرائض، فالأولى إشاعتها، وإظهارها؛ لتنحفظ قواعد الدين، ويجتمع الناس على العمل بها، فلا يضيع منها شيء، ويظهر بإظهارها جمال دين الإسلام، وتُعْلَم حدوده، وأحكامه، والإخلاص واجبٌ في جميع القُرَب، والرياء مفسدٌ لها. انتهى (٣).

(فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ) يجوز فيه الرفع، والنصب، على تقدير كونه حالًا، أو مستقبلًا؛ لأن "حتى" إذا وقع المضارع بعدها، فإن كان مستقبلًا، كقولك: سرتُ حتى أدخلُ البلد، وكان قولك قبل الدخول وجب رفعه، وإن قلته، وأنت داخل، أو بعد الدخول، وقصدت به حكاية تلك الحال وجب نصبه، وإلى ذلك أشار ابن مالك في "الخلاصة" حيث قال:


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١٢٢.
(٢) "المفهم" ٣/ ٧٦.
(٣) "المفهم" ٣/ ٧٦.