١ - (منها): بيان جواب سؤال من سأل أيّ الصدقة أفضل؟، وهو أنه ما كان في حال الصحّة.
٢ - (ومنها): أنه يدلّ على أن المرض يَقْصُرُ يد المالك عن بعض ملكه، وأن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سِمَةَ البخل، ولذلك شَرَطَ أن يكون صحيح البدن، شحيحًا بالمال، يجد له وقعًا في قلبه؛ لما يأمله من طول العمر، ويخاف من طول الفقر.
٣ - (ومنها): أن تنجيز الصدقة، ووفاء الدين في الحياة، وحال الصحّة أفضل منه بعد الموت، وفي المرض، كما أشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك بقوله:"وأنت صحيحٌ، شحيحٌ، تأمل الغنى، وتخشى الفقر"؛ لأنه في حال الصحّة يصعُب عليه إخراج المال غالبًا لما يخوّفه به الشيطان، وُيزيّن له، من إمكان طول العمر، والحاجة إلى المال، كما قال تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} الآية [البقرة: ٢٦٨]. وأيضًا، فإن الشيطان ربّما زيّن له الْحَيْفَ في الوصيّة، أو الرجوع عن الوصيّة، فيتمحّض تفضيل الصدقة الناجزة.
قال بعض السلف عن بعض أهل التّرَف: يعصون الله في أموالهم مرّتين، يبخلون بها، وهي في أيديهم -يعني في الحياة- ويُسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم -يعني بعد الموت- (١).
وأخرج الترمذيّ، بإسناد حسن، وصححه ابن حبّان، عن أبي الدرداء، مرفوعًا، قال:"مثلُ الذي يُعتقُ، ويتصدّق عند موته، مثلُ الذي يُهدي إذا شَبع"، وهو يرجع إلى معنى حديث الباب.
وروى أبو داود، وصححه ابن حبّان، من حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، مرفوعًا: "لأن يتصدّق الرجل في حياته، وصحّته بدرهم، خيرٌ
(١) وعبارة العينيّ في "عمدته" ٨/ ٢٨١: ولَمّا بلغ ميمون بن مِهْرَان أنّ رقيّة امرأة هشام ماتت، وأعتقت كلّ مملوك لها، قال: يعصون الله في أموالهم مرّتين، يبخلون بما في أيديهم، فإذا صارت لغيرهم أسرفوا فيها. انتهى.