للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ) قال في "العمدة": فيه حذف المسموع؛ لأن المسموع هو الصوت، لا الشخص، قال الزمخشريّ: تقول: سمعت رجلًا يقول كذا، فتوقع الفعل على الرجل، وتحذف المسموع؛ لأنك وصفته بما يُسْمَع، أو جعلته حالًا عنه، فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف، أو الحال لم يكن منه بُدٌّ أن يقال: سمعت قول فلان. انتهى (١).

وقوله: (يَقُولُ) جملة في محلّ نصب على الحال من "معاوية" (إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ) هكذا هو في أكثر النسخ "وأحاديث" بالتنكير، وفي بعضها: "والأحاديث" بالتعريف، وكلاهما صحيحان.

[تنبيه]: قوله: "إياكم وأحاديث" هو النوع المسمّى عند النحاة بالتحذير، وهو تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه، وهو منصوب بعامل محذوف وجوبًا، والتقدير: إياكم أُحَذّر، ودعوا أحاديث، وقيل في التقدير غير ذلك، وإلى هذا أشار في "الخلاصة" حيث قال:

"إِيَّاكَ وَالشَّرَّ" وَنَحْوَهُ نَصَبْ … مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ

وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ وَمَا … سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلْزَمَا

إِلَّا مَعَ الْعَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ … كَـ "الضَّيْغَمَ الضَّيْغَمَ يَا ذَا السَّارِي"

(إِلَّا حَدِيثًا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ) بن الخطّاب -رضي الله عنه-، ثمّ بيّن سبب استثنائه الحديث الذي كان في زمن عمر -رضي الله عنه- بقوله: (فَإِنَّ) الفاء للتعليل؛ أي لأن (عُمَرَ) -رضي الله عنه- (كَانَ يُخِيفُ) بضمّ أوله، من الإخافة (النَّاسَ) منصوب على المفعوليّة (فِي اللهِ عز وجل) قال النوويّ رحمه الله: مراد معاوية -رضي الله عنه- النهي عن الإكثار من الأحاديث بغير تثبّت لَمّا شاع في زمنه من التحديث عن أهل الكتاب، وما وُجِد في كتبهم حين فُتِحَت بلدانهم، وأمرهم بالرجوع في الأحاديث إلى ما كان في زمن عمر -رضي الله عنه-؛ لضبطه الأمر، وشدّته فيه، وخوف الناس من سَطْوته، ومنعه الناس من المسارعة إلى الأحاديث، وطلبه الشهادة على ذلك حتى استقرّت الأحاديث، واشتهرت السنن. انتهى (٢).

(سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ يَقُولُ: "مَنْ) موصولة تضمنت معنى الشرط،


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٥٠.
(٢) "شرح النووي" ٧/ ١٢٧ - ١٢٨.