للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلذلك جزم بها "يُرِدْ"، و"يُفَقِّهْهُ"؛ لأنهما فعل الشرط والجزاء (يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا) أي منفعةً، وهو ضدُّ الشرّ، وهو هنا اسم، وليس بأفعل تفضيل، وإنما نكّره لإفادة التعميم؛ لأن النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي، فالمعنى: مَن يرد الله به جميع الخيرات، ويجوز أن يكون التنوين للتعظيم، والمقام يقتضي ذلك، كما في قول الشاعر:

لَهُ حَاجِبٌ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ يَشِينُهُ

أي حاجبٌ عظيم، ومانعٌ قويّ.

(يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ") بجزم "يُفقّهه" على أنه جواب الشرط؛ أي يجعله فقيهًا في الدين، والفقه لغة الفهم، وعُرفًا العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال، ولا يناسب هنا إلَّا المعنى اللغويّ؛ ليتناول فهم كل علم من علوم الدين.

وقال الحسن البصريّ: الفقيه هو الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، والبصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه.

وقال في "اللسان": الفقه: العلم بالشيء، والفهم له، وغَلَب على علم الدين؛ لسيادته، وشرفه، وفضله على سائر أنواع العلم، كما غلب النَّجْم على الثُّرَيّا، والْعُود على الْمَنْدَل، قال ابن الأثير: واشتقاقه من الشِّقِّ والْفَتْح، وقد جعله العرف خاصًّا بعلم الشريعة -شرّفها الله تعالى- وتخصيصًا بعلم الفروع منها، وقال غيره: والفقه في الأصل: الفهم، يقال: أُوتي فلان فقهًا في الدين؛ أي فَهْمًا فيه، قال الله عز جل: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢]؛ أي ليكونوا علماء به. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "يُفَقِّهْهُ": أي يُفَهِّمه، وهي ساكنة الهاء؛ لأنها جواب الشرط، يقال: فَقُه بالضم: إذا صار الفقه له سجيةً، وفَقَهَ بالفتح: إذا سبق غيرَهُ إلى الفهم، وفَقِهَ بالكسر: إذا فَهِمَ، ونَكَّر "خيرًا"؛ ليشمل القليل والكثير، أو التنكير للتعظيم؛ لأن المقام يقتضيه، ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين؛ أي يتعلم قواعد الإسلام، وما يتصل بها من الفروع، فقد حُرِمَ الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديثَ معاوية -رضي الله عنه- من وجه آخر ضعيف، وزاد في


(١) "لسان العرب" ١٣/ ٥٢٢.